مضت قرابة عشرة أيام على بداية اللغط بشأن موضوع «تقاعد المواطنين»، وانتشار الكلام المعني بوجود توجهات ستصدر قريباً معنية بتعديل القانون، وستتمثل بإلغاء مكافأة نهاية الخدمة، ورفع سن التقاعد، ووقف شراء السنوات، ورفع نسبة الاشتراك، ما يعني أن المواطن سيقتطع من راتبه مبلغ أكبر شهرياً.
الأخطر، ما قيل بأن التعديلات ستحصل كلها في فترة الإجازة البرلمانية، أي أنها بمعزل عن السلطة التشريعية، ما يعني الإخلال الصريح بالمبدأ الرئيس لإنشاء البرلمان، والذي يقضي بـ «مشاركة الشعب في صناعة القرار».
وللعلم، هي ليست المرة الأولى التي تقر فيها أمور وتمرر بمعزل عن البرلمان أو حتى الوقوف على رأيه، ولكم في عملية رفع أسعار الوقود مثال، إذ هي حصلت بين يوم وليلة، وفي فترة انعقاد البرلمان.
هنا هل العتب على الجهة المعنية التي تقوم بهذه الإجراءات، أم على البرلمان الذي للأسف ترك كثيراً من الأمور الهامة المعنية بهموم المواطنين ومعيشتهم ومكتسباتهم، وركز على مواضيع بعضها والله «هوامش» لا تهم الناس. وبالتالي أصبح حراكه بالنسبة إلى المواضيع الهامة يأتي في «الوقت الضائع» أو «بعد حصول الفلعة» وطبعا الفلعة في رأس المواطن!
نقول ذلك ونحن نأسف على الحال، لأن ولا مواطن واحد يريد أن يرى السلطة التشريعية بهذا الشكل «منزوعة القوة»، لا أحد يريد الجهة المفترض أن تدافع عن حقه، تتحول هي ذاتها لجهة «تتحلطم» مثل المواطنين، ويخرج منها نواب يقولون «لا نملك صلاحيات»!! إذاً لماذا ترشحتم؟!
عموماً، حتى اليوم، تحدث كثيرون، بعض النواب أصدروا بيانات ونطقوا، والصحافة كتبت وكتبت وكتبت، وكتاب الأعمدة حتى اليوم أغلبهم تطرقوا لموضوع التقاعد، والناس «أشعلت» مواقع التواصل، وكل وسيلة للتعبير، كلهم يتساءلون عن مدى صحة هذه الأخبار، وكلهم يطلبون توضيحاً رسمياً، والغريب المثير والعجيب، أنه حتى اللحظة «لا يوجد رد رسمي ينفي أو يؤكد»، كل ما تحصل عليه الناس «رد مقتضب ضبابي» من الوزير المعني رداً على «سؤال نائب» يوحي بأن «هناك نية» لاتخاذ خطوات وإجراءات لتعديل القانون!
يا جماعة إن كان «بالون اختبار»، مثلما قلنا هنا قبل عدة أيام، فاعلموا بأن «البالون» انفجر وتفرقع من أول يوم، والنتيجة «رفض شعبي تام» لهذه الخطوة، التي تأتي وكأنها «عقاب جماعي للناس» على سوء إدارة الملف المالي للدولة!
نعم، نحن المواطنون نحس بأن الإجراءات الأخيرة التي اتخذت، وأقرتها وزارة المالية والصناعة كجهات اختصاص، تأتي بشعار «ادفع الضريبة يا مواطن»، إذ إعادة توجيه الدعم للحوم هدفها كان توفير المبالغ لدفع بعض من هذا «العجز والدين العام» الذي نراه «يزيد ولا ينقص»، بدليل أن فائض إعادة الدعم لم يوجه للناس، بل منحوا دنانير قليلة، ولمن سجل فقط! طبعاً لا أريد نسيان إعادة التعرفة «أقصد رفعها» بشأن الكهرباء والماء!
أيضاً رفع سعر البنزين وقع على رأس الناس فجأة، وكأن الناس هم المسؤولون عن «تضخم الدين العام» أو عن «ترنح أسعار النفط» في السوق العالمية!
ما نريد قوله بأن الوضع الحاصل «خاطئ تماماً» في دولة ترفع شعار الشفافية وحرية التعبير عن الرأي، وبرلمانها أنشئ بهدف «مشاركة الناس الدولة في صناعة القرار»، من ناحية عدم رد المسؤولين على تساؤلات الناس والصحافة وعلى مواضيع حساسة تمسهم مباشرة!
أشك بأن المسؤولين لا يعلمون، لكن حتى نبرئ الذمة سنقول لكم بأنه خلال الأيام الماضية عشرات قدموا طلبات للتقاعد خوفا من خسارة «مكافأة نهاية الخدمة»، إذ أي واقع يفرض على الناس بهذه الطريقة والأسلوب، مواطنون يعملون لسنوات طويلة وفجأة بين ليلة وضحاها ينصدم بأن مكافأة نهاية الخدمة والتي أصبحت «حقاً مكتسباً» و»عرفاً» عند التقاعد، قد «تلغى» عنه بجرة قلم؟!
كنا نقول في السابق إن «العمل في الحكومة ضمان»، لكن ما نراه اليوم يوحي بالعكس، العمل في الحكومة يحمل مفاجآت! الموظف البسيط هو دافع الثمن، فالمعنيون بمخالفات تقارير ديوان الرقابة المالية بشأن الهدر المالي «والأرقام بالملايين» لا تتم محاسبتهم، وسياساتنا المالية قادتنا إلى عجز تاريخي «ملياري» ولا وجود لأي تغيير في المسؤولين ولا حتى محاسبة، وملف «ممتلكات» الذي نشر بالأمس من خلال التحقيق الحاصل في النواب، يجعلنا والله نستغرب، إذ بعد هذه الأرقام والحقائق، هناك من مازال يريد «التضييق» على المواطنين، وتحميلهم مسؤولية إخفاق مسؤولين إن أعفوا اليوم من مناصبهم فإنهم لن يتضرروا بقدر الضرر الذي سيقع على الموظفين الذين «سيحرموا» من مكافأة نهاية الخدمة؟!
«زبدة الكلام»، نريد مسؤولاً يخرج ويطمئن الناس وينفي الشائعات، أو حتى يؤكدها، المهم ألا تستمر حالة «القلق والهلع» لدى الناس، دون أي رد رسمي، هو من حقهم، وبالأخص في وقت تعج فيه جرائدنا بتصريحات المسؤولين بمناسبة يوم الصحافة العالمي وحرية التعبير وحق الوصول للمعلومة.
ورجاء رجاء، مع الاحترام الشديد للنواب، ليتوقف بعضكم عن الخروج إعلامياً والتصريح «عوضاً عن الوزراء والحكومة» بشأن ملف التقاعد محاولاً نفي الموضوع! يا سعادة النائب أنت لست وزير المالية ولست الحكومة، وبالتالي دع المعنيين يتحدثون، أنت دافع عن حقوق الناس إن «صدقت المسألة وأصبحت واقعاً»، ولا تجعلها تكون تكراراً لحادثة رفع الدعم وزيادة سعر البنزين.
انتهى الكلام، وانتهت المساحة، لكن مازال في الحلق صرخة وسط زحمة هذه السطور المبعثرة، الناس يا جماعة، مسؤوليتكم خدمتهم والتسهيل عليهم، لا العكس.. فهل من مجيب؟!