توماس ادوارد لورنس المعروف بلورنس العرب صاحب كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» وهو الضابط البريطاني الذي عاش بين العرب في الجزيرة العربية في بداية القرن العشرين قبل الحرب العالمية الأولى، كسب ثقة شيوخ القبائل العربية وهو الغريب عنهم عرقاً وديناً وشكلاً ولغة، لكنه يعطي درساً في العلاقات العامة البشرية بغض النظر عن رأينا في أهدافه ونواياه وحقيقة تأليبه العرب على العثمانيين، إنما ما أود توصيله هو أن العلاقات البشرية بين غريب أجنبي غربي كلورنس وبين شيوخ القبائل العربية توطدت بشكل كبير وكل ما احتاج له لورنس هو فهم واستيعاب ومن ثم انخراط واندماج والجلوس على الأرض والأكل مع العرب، حتى تلبست الشخصية العربية لورنس تمام التلبيس وهو البريطاني الأشقر، فكان يمشي حافي القدمين حتى في الاجتماعات الرسمية مثلما حدث حين اجتمع مع اللنبي «نحن نتحدث عن أوائل القرن الماضي» لورنس اخترق القلب العربي فتمكن من قيادتهم مجتازاً حاجز اللغة بعد أن تعلمها، ومجتازاً حاجز العرق بعد أن لبس لباسهم ومارس عاداتهم، نزل لهم واقترب منهم فتوطدت علاقاته البشرية دونما حاجة لكتاب «العلاقات العامة المعلبة»، إذ كان ذكاؤه العاطفي هو دليله الإرشادي.
نصائح الكتيب الإرشادي للعلاقات العامة التي تدرس في الأكاديميات وتلقن في الدورات لا تصلح دائماً لترميم علاقة بين طرفين عربيين، فللعرب مجسات ورادارات للحب بالغة الحساسية تلتقط المشاعر الصادقة عن بعد سنوات ضوئية، وتغلق بابها فور شعورها بالتصنع، فليس كالذكاء العاطفي العربي ذكاء.. هنا ملعبه وهنا ساحته وهنا واحدة من مصادر قوته.
صاحب «الذكاء العاطفي» يعرف أن «صيانة» العلاقة بين البشر من وقت لآخر مسألة ضرورية وحتمية تتطلب بذل جهد وحركة ومبادرة لتعزيز الروابط القديمة وبناء الجديد منها، فلا يركن أي طرف من البشر على أي نوع من الروابط التقليدية كعنصر ارتباط واحد لإبقاء العلاقة قوية ومترابطة ومعززة.
هذه الحقيقة تقر بها حتى شركات «العلاقات العامة» وتقر بها حتى بيوت الاستشارات بدءاً من الاستشارات الزوجية وانتهاء بالاستشارات السياسية، وتعقد لها الدورات وتدرس في الجامعات وتمنح لها الشهادات الأكاديمية وتؤلف لها الكتب، وكلها تهدف لصيانة العلاقات البشرية وتقريبهم من بعضهم بعضاً، وجميعهم يقرون بأن البشر يحتاجون لصيانة وترميم وبناء الجسور الجديدة والمبادرات الخلاقة لتعزيز علاقاتهم من فترة إلى فترة.
وأستطيع أن أسرد من اليوم للغد كيف تطور هذا العلم بل وهذا الفن في خدمة الساسة خاصة على الطريقة الأمريكية حيث صناعة «النجم السياسي» تتم كصناعة النجم الهوليودي من أجل كسب ود الجماهير وكيف تطور علم وفن الاستشارات في تعزيز العلاقة بين القائد وبين أتباعه وناخبيه، تماماً مثل تعزيز العلاقة بين الممثل ومحبيه، تماماً مثل تعزيز العلاقة بين زوجين ساد الفتور بينهما.
دروس في الحركة وفي الكلام وفي اللبس وفي كيفية الجلوس وكيفية مواجهة الكاميرا مع الاحتفاظ بالابتسامة طوال الوقت ونصائح عديدة تدرس في الجامعات والأكاديميات، ولكن وهنا مربط فرسنا..
فمع الأسف جميعها تتبخر نتائجها عند جماهيرنا العربية أو عند أطراف العلاقة العربية، فجمهورنا له مقاييس مختلفة ومعايير مختلفة جداً جداً، بل أحياناً تكون متناقضة مع ما يدرس، فتأتي النصائح الأكاديمية المعلبة لتخلق حاجزاً وتبني جداراً بين طرفي العلاقة بدلاً من هدمها وإذابتها فتضيع كل الجهود هباء، فلا يرى الناس غير آلة مصطنعة تبتسم بلا معنى ووجهاً يلبس قناعاً، تم تحفيظه كلمته وحركته وحتى طريقة تنفسه!
العرب غير.. غير تماماً في هذه النقطة بالذات، سواء كانوا أزواجاً أو إخوة أو أصدقاء أو كانوا قيادات سياسية، والنصائح التي تقدم من قبل شركات استشارية أجنبية لترميم وصيانة العلاقة بين طرفي علاقة بشرية -حين يكونون عرباً- تثمر نتائج كارثية.. اختلاف ثقافات شئنا أم أبينا.
لذا فعزيزي الزوج، عزيزي المواطن، عزيزي الأخ، عزيزي القائد السياسي، كلكم بحاجة لفهم شركائكم وفهم طبيعتهم حتى تتمكنوا من تعزيز علاقتكم بهم، فإن كان الغريب البريطاني الأشقر تمكن من ذلك ألا تستطيعون أنتم أن تفعلوها؟