جميع النظريات بمختلف مراحلها تؤكد أهمية الضحك في حياتنا اليومية، لتأتي الدراسات العلمية الحديثة وتقول إن دقيقة ضحك واحدة نابعة من القلب تضاهي 45 دقيقة من الاسترخاء وجلسات اليوغا والتأمل، خاصة الضحك الذي يصدر عن إرادة صادقة ودوافع فعلية ما يؤدي إلى تفاعل هرمونات الجسم الخاصة في الشعور بالسعادة وتخفيف الألم.
وبالرغم من أهمية الضحك إلا أنه ليس من اليسير أن تشرع في إضحاك إنسان بالسهولة التي يمكن ان تتصورها، مقابل السرعة التي تحرك مشاعره بها بإخباره بقصة درامية حزينة حتى وإن كانت خيالية أو مقتبسة من نشرة إخبارية.
فبقدر ما أن الابتسامة والضحك أمران مهمان بجميع المقاييس لسعادة الإنسان أياً كان، إلا أنه من غير المقبول الاستهزاء بالقيم المقدسة لتصبح المهزلة وأمور المسخرة هي البطاقة الرابحة لشبابنا وبناتنا، وتسويق المعلومات المغلوطة المعجونة بالأساليب الساخرة شغلنا الشاغل!!
من الملاحظ أن مواضيع الاستهزاء لم تعد تختص باسم فنان، أو منطقة، أو شارع، أو حتى عائلة، أو قبيلة. فبعد أن كانت بعض الصفات السلوكية السلبية لا نتجرأ على التكلم بها، باتت اليوم النكهة المتميزة لأحاديثنا الجماعية ألا وهو «شخصية المحشش». هذا الشخص أو الشخصية بعد أن كنا نشمئز من وجودها في المسلسلات، أياً كانت جنسيتها، أصبحت في يومنا هذا «المحشش» سفير الضحكة ومتحدثاً بليغاً بالحكم والأمثال والعبر والرجل الواعي الذي يميز لك الحق من الباطل!! ليقف ولدك ويقول لك «ماما أريد أن أصبح مشهوراً كالمحشش»، فماذا ستكون ردة فعلك يا ترى؟! والأمر لم يتوقف عند محشش أو مهرج أو فيلسوف متفرغ بل تعدى إلى القيم الدينية، ونحن على الأبواب لسماع النكات التي تعلق على أشكال البنات في شهر رمضان المبارك، وأشهرهم أن «فلانة هي فلانة ولكن في شهر رمضان تبدلت ملامحها لأنها من غير مساحيق التجميل!! أكيد أنتم تتذكرون الآن موجة النكات على هذا الموضوع، حتى «الخروف» يحتل نصيب الأسد في شهر الحج، ويوم النحر من النكات التي ظاهرها مضحك ولكن تحمل في طياتها معانٍ خبيثة، للأسف الكثير منا يجهلها ومتغافل عنها.. هل يعقل أنه بعصر العلم والمعرفة وصل الاستخفاف بشعائر الله العلي القدير إلى هذا الشكل الدوني الدنيوي القبيح؟!
وبعد أن كانت المقاعد الخلفية هي أماكن جلوس الطلبة المشاغبين أو إذا صح التعبير للكسالى منهم، بات هؤلاء الطلبة الآن يتصدرون وسائل التواصل الاجتماعي بأجوبتهم العبقرية الخالية من أي نكهة فنية. وأصبح موضوع التقليد بشكل هيستيري الأمر الذي يهدد مستقبل أبنائنا وإنتاجيتهم العلمية. حقيقة عندما تستمع إلى أي نكته من أمثال النماذج المطروحة - أي نعم - تقرأ، تتبسم ولكن سرعان ما تتحسر، بأن وصل الإسفاف في تفكير عيالنا إلى هذا المستوى المنحط الضعيف. وأن المقدسات والشعائر الدينية أصبحت متصدعة قيمتها من جراء ما اقترفته أيدينا.. فلا تجعلوا الحمقى مشاهير وذلك من خلال التسابق بنشر الرسائل عنهم.. خلوها تقف عندكم. فقد ولى ذلك الزمان.. الضحك من دون سبب قلة أدب.. ليتحول إلى يومنا هذا، إن لم تكن ساذجاً هزلياً تافهاً غبياً لما أعارتك برامج التواصل الاجتماعي أهمية.