لا يمكن أن تجتمع القبضة الأمنية مع الحرية، كذلك لا يمكن للحرية أن تتنفس في ظل الانفلات الأمني، فهذا التناقض الخفي بين الحرية والأمان هو اللعبة التي تعتمد على العديد من الألغاز، فلا يمكن تحقق الأولى دون وجود الأخرى، كما لا يمكن تقبل الأخرى مع وجود الأولى، ولتحقيق العدالة بين النقيضين يجب فهم الأمور في سياقها الطبيعي، دون تشنجٍ أو تقديم مصالح شخصية أو فئوية في قضايا حفظ الأنفس.
لقد شهدت المنطقة العربية الكثير من الإرهاصات السياسية والكثير الكثير من العمليات الإرهابية التي طالت العديد من المؤسسات الأمنية والعسكرية، ناهيك عن تضرر الكثير من المؤسسات المدنية، وعلى إثر ذلك يكون من الطبيعي أن تتشدد الدول بشكل استثنائي في هذه المرحلة من رفع مستوى الأمن لحماية الحريات والأفراد والمجموعات وحماية الدول كذلك، وهذا الأمر قد يتطلب بعض التضييق غير المتعمد على الحريات لحماية المستقبل، وهذا قد يبدو جلياً في العراق تحديداً وبعض دول الخليج العربي والكثير من الدول الأوروبية.
قد لا يعجب البعض فرض قيودٍ أمنية على الشارع أو في الأماكن العامة أو عند المنافذ الحدودية، لكن من يكتوي بنار الإرهاب سيعي أهمية وجود الأمن في المناطق والدول التي قد تتعرض لحركات أمنية مشبوهة أو محتملة، فالاحتياط في الدماء أهم بكثير من تململ البعض حول جدلية فرض الأمن والتشدد في بعض مراحل الصراع ضد الإرهاب، حتى وإن تقلصت بعض هوامش الحرية بشكل مؤقت.
هنالك من يقف ضد كل أشكال فروض الأمن في كل الأزمنة والمراحل السياسية التي تمر على الأوطان والشعوب، متعذراً برفضه تقليص فرص الحريات الدينية والشخصية وغيرها، دون النظر إلى حجم المعركة الكبيرة وغير المعلنة ضد الإرهاب. صحيح أن المسألة معقدة فيما يتعلق بالأمن والحرية، لكن في حال وصلت المسألة إلى حفظ أمن المجتمع وحفظ الدماء سيكون من الغباء بعثرة الأولويات، ومجاملة بعض الحريات على حساب أمن الشعوب والدول.
إن المعركة الشرسة التي يشنها الإرهاب ضد الدول العربية تتطلب مفاهيم مختلفة عن سياق الأوضاع السياسية في الحالات الطبيعية، لكن حين يتمدد الإرهاب فيصل إلى أبعد من مداه يكون لزاماً أن تحكم الدولة المستهدفة أو المتضررة قبضتها الأمنية ضد كل أشكال الإرهاب حتى تزول كل مظاهره، سواء قبلنا بذلك أم لم نقبل، وسواء أعجبتنا الفكرة أم لم تعجبنا، فلا استفتاء على الأمن وحماية الأرواح والممتلكات، خصوصاً إذا كنا ممن يعيش في عصر مفتوح على كل الاحتمالات وعلى كل أنواع الإرهاب، ولهذا ستكون الحالة الأمنية أولوية في الأزمنة المستثناة ضرورة وليس ترفاً كما يحاول بعض السياسيين أن يصوروه لنا، وهذا الأمر يتطلب وعياً استثنائياً كذلك، كما يتطلب من كل المجتمعات أن تتكاتف ضد كل أنواع الإرهاب حتى ولو تقلصت بعض الحريات الشخصية في وقت المعركة.