الضمانات في العقد الإداري
إن مصادر تمويل المشاريع الحكومية بشتى أنواعها، سواء كانت اعتمادات في الموازنـة العامة أو قروضاً أو مساهمات أو منحاً أو إعانات، كلها في النهاية أموال عامة، تؤثر بطريق مباشر أو غير مباشر على الدولة، من الناحية الاقتصادية أو حتى من الناحية السياسية.
لذلك فإن السياسة العامة في أي بلد -حفاظاً على تلك الأموال العامة- لابد أن تحرص على استغلال هذه الأموال الاستغلال السليم وتوجه نحو الاستفادة العظمى منها، من خلال تنفيذ المشروعات بكفاءة واقتصاد وفاعلية، والحصول على عائد كبير بتكلفة قليلة.
ولهذا فإن أغلب الدول قبل الإقدام على إنشاء أي مشروع لابد من أن تقوم بتخطيطه التخطيط السليم والإعداد له جيداً، مرفقاً ذلك بإجراء دراسات الجدوى وتحديد التكاليف التقديرية له، ومن ثم اعتماد هذه التكاليف.
حرص التشريعات على وضع ضمانات لصالح جهة الإدارة:
أغلب التشريعات تحرص على توفير ضمانات لإجراءات المشتريات الحكومية وذلك نظراً للتكلفة العالية لهذه المشتريات سواء أكانت خدمات أو سلعاً أو إنشاءات، إضافة إلى تمكين جهة الإدارة من القيام بدورها كجهة مسؤولة عن حسن سير وانتظام المرفق العام واستمراره في تقديم خدماته للجمهور، ناهيك عن الحصول على الكفاءة الفنية العالية في تنفيذ تلك المشتريات، سواء في مرحلة ما قبل البدء في الإجراءات أو أثنائها أو حتى بعد التعاقد، نتيجة إخلال المورد أو المقاول بالتزاماته، أو التأكد من سلامة التنفيذ أو ضمان العيوب الخفية، إضافة إلى أن ذلك يمثل حماية للحقوق المالية للدولة، من خلال الإبقاء على أموال محددة في يد جهة الإدارة، تشكل تعويضاً عن إخلال المورد أو المقاول بالتزاماته تجاهها، وإنْ كانت هذه الأموال لا تغطي في بعض الأحوال كافة الخسائر، إنما تساعد جهة الإدارة على استكمال الإجراءات أو تنفيذ الأعمال غير المنجزة، كما يمكن لجهة الإدارة الرجوع على المورد أو المقاول المخل بالتزاماته بالتعويض، في حالة عدم جبر تلك الأموال السائلة للخسائر التي تكبدتها جهة الإدارة، وبالإضافة إلى هذه الضمانات المالية، هناك ضمانات إجرائية أو إدارية قررها المشرع حماية لجهة الإدارة ذاتها والمتعاقد معها أيضاً.
والضمانات المقـررة فـي التشريعـات لصالح جهـة الإدارة لا تشكل في رأي بعض الفقه -وبحق- عقوبات أو جزاءات ضد المورد أو المقاول أو الحد من صلاحياته وتقييده، وإنما تشكل حماية للمشروع موضوع العملية من خلال الحصول على التنفيذ الأكفأ والأدق المحقق للهدف من الشراء، والتقليل من فرص الاختلال في المشروع ذاته مستقبلاً نتيجة التنفيذ السيئ.
كما أن الضمانات الأخرى المقررة لصالح الموردين أو المقاولين من خلال اتباع جهة الإدارة للإجراءات المنصوص عليها في القانون واللوائح وإعمال مبادئ العلانية والمساواة وحرية المنافسة، وإنْ كانت تمثل قدراً من القيود المفروضة على جهة الإدارة، إلا أنها في الوقت ذاته تشكل ضمانة لجهة الإدارة عينها من خلال حسن تطبيقها للقانون واللوائح، الأمر الذي يؤدي إلى اطمئنان الموردين والمقاولين إلى سلامة الإجراءات وشفافيتها، ومن ثم إقبالهم على المشاركة في المناقصة وتقديم أسعار تنافسية وخدمات مميزة ومواصفات فنية عالية تصب جميعها في صالح المصلحة العامة.