بخصوص المشروع بقانون الذي يمنع الجمع بين المنبرين السياسي والديني، لنتذكر فقط أننا نتحدث عن عشرات من البحرينيين هم من (سيتضرر) من هذا القانون بصفة شخصية، مقابل حماية المجتمع البحريني بأسره.
و قبل أن يغضب العشرات من الدعاة الذين وصلوا للمجالس النيابية أوالذين ترشحوا ولم يصلوا أو الذين يخوضون في الشأن السياسي من على المنبر الديني نؤكد أننا نكن لهم الاحترام والتقدير والكثير منهم لن تنسى البحرين وقفتهم معها ودفاعهم عنها حين تعرضت للمخاطر، ومواقفهم لن تمحى من الذاكرة سواء كانت من على منابر السياسة أو من على منابر الدين التي جمعاها، ولا نتهم أي منهم بالإضرار بالبحرين وأمنها، إنما هنا نتحدث عن «قواعد عامة» -إن أقرت- فإنها ستطبق على الجميع بلا فحص للنوايا .
مخاطر الجمع بين المنبرين على أمن المجتمع لا تظهر حين يكون هناك اتفاق بين الداعية وبين سياسة الدولة إلا في حالة التسويق الشرعي المصطنع لسياسة ما إنما الأخطر أنها تبرز حين تتعارض وجهتي نظر الداعية الذي يعتلي المنبر الديني مع سياسة الدولة الرسمية.
وهذا وارد جداً وحدث حتى من دعاة هم مع النظام لكنهم اختلفوا معه سياسياً في بعض التشريعات، هنا يصبح الأمر معقداً، فالداعية حين يعتلي المنبر الديني فإنه في موقع يكون الخطاب فيه من طرف واحد وليس تفاعلياً، مما يعجز الدولة عن مجادلته والرد عليه وتفنيد آرائه، ثانياً هو يتحدث من موقع يفترض أنه يبدي وجهة النظر «الشرعية» في ما يختلف فيه مع الدولة ( رغم أن الموضوع مختلف عليه حتى بين الدعاة و الخطباء من وجهة النظر الشرعية أيضاً) فلا يعرف المتلقي أيهما يتبع و أيهما حلال و أيهما حرام، وهذه البلبلة لم تكن لتضر لو أنها من على منابر سياسية (ندوات، صحف مقار للجمعيات، مجلس نيابي .. الخ) فالمختلفون حينها سيربطون الموقف بحرام و حلال!!
الأمر الآخر أنه في حال تصاعدت حدة الخلاف بين «داعية» وبين سياسة الدولة فإن هذا التصاعد سيتبدى جلياً من على منبر ديني، الدعوة فيه للتصعيد مرتبطة برضى الله وعدم التصعيد مع الداعية سيصب غضب من الله، أما تصاعد حدة الخلاف بين الدولة وأي منبر سياسي فإن له مساره المنضبط ضمن الأطر القانونية لا يدعي أي من الطرفين أن الله معه!
الآن هل يمنع هذا القانون الداعية من إبداء رأيه فيما يدور في الدولة من سياسات، لا لا يمنع، إنما المنع آت من الجمع بين المنبرين، أي يجوز للداعية أن يقول رأيه كأي مواطن عادي إنما من على منبر سياسي، أي المنابرالتي ذكرناها سابقاً، وله مطلق الحرية في الاعتراض
و المعارضة والتحفظ و التحذير والتنبيه.
ولن يحجرعليه أحد رأيه، وللمختلفين معه فرصة الرد عليه كأي رأي آخر، يتساوى في هذه الحالة المواطنون في الامتيازات التعبيرية، فلا يمنح الداعية امتيازاً خاصاً لنفسه دون عن غيره، أي أن يكون له منبر سياسي إضافي زائداً المنبر السياسي التقليدي، بل سيتوفر للداعية منبر «سياسي» به امتيازات غير متوفرة لغيره فلا يرد عليه ولا يجادل فيه، منبر يؤمه الناس للتعبد.
وبينهم من يختلف مع الداعية وبينهم من لا تعنيه السياسة، لكنه يرغمهم جميعاً على الاستماع له، هذا تمييز تفاضلي في المواقع السياسية بينه وبين من تنافس معهم سياسياً وبينه وبين من يختلف معه سياسياً، اقتنصه الداعية دون وجه حق، لا يكفي أن يكون الضابط لهذا التفاضل والتمايز أياماً معدودات هي وقت الانتخابات فقط بالشكل الحالي للقانون، الذي يمنع المرشح من اعتلاء المنبر الديني أيام الانتخابات، فقد كان هذا المنبر خيمة انتخابية طوال السنوات الأربع الماضية توفرت للداعية دون منافس، حتى إذا ما جاء وقت الترشيح نزل الداعية من على المنبر و قال (بناء على رغبة الجماهير)!!
أما القول لما على الداعية فقط دون غيره ضوابط للترشح، فهذا قول مردود عليه، فالضوابط على القضاة والعسكريين والدبولماسيين والضوابط على السن والضوابط على المؤهل الأكاديمي (وهذه تحتاج لتعديل أيضاً، ويحتاج تعديلها لشجاعة وإيثار)
نحن لم ناتِ بعد على أسباب أكثر بعداً من الأضرار السابقة فهناك نماذج أعلنت الجهاد على الدولة من على المنابر الدينية حين خاضت في السياسة، ونماذج قسمت المجتمع لمعسكرين فأثارت الفتنة، ونماذج دعت لسحق رجال الأمن، ونماذج أرادت أن تكون نداً للدولة تترأس السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية بوصايتها على من يعين ومن يرشح لتلك المناصب تلك نماذج تطرفت في معارضتها للدولة ونحت نحو العنف، وجعلت المنبر الديني دولة داخل الدولة، هنا لا ينطبق على هؤلاء قانون منع الجمع بين المنبرين هنا ينطبق عليها قانون أمن الدولة وقانون الإرهاب لتهديدها أمن الدولة وسلامة المجتمع وتلك قصة أخرى.
إنما زبدة الكلام أن هذه الدرجة من التطرف بما تمادت إلا حين سمحت الدولة بالجمع بين المنبرين وتغاضت عن هذا المنفذ الذي استغلت مساحة التسامح فيه ومساحة رفع القانون عنه وتركت دون ضوابط، وهي الثغرة التي نفذ منها دعاة ممثلون لدول أجنبية وسفراء لها، ليكون المنبر الديني منبراً سياسياً لتلك الدولة، ولم يكن لهذا الاستغلال أن ينفذ لوأن الدولة سدته بضوابط قانونية كمنع الجمع بين المنبرين.
لذا نتمنى أن نتحلى بالإيثار في التصويت على هذا القانون ونضع البحرين نصب أعيننا ونضع المصلحة العامة قبل أن نقول نعم وقبل أن نقول لا.