أكثر ما نحتاجه اليوم يتمثل في «خارطة طريق اقتصادية» من خلالها تتم طمأنة المواطن البحريني على مستقبله ومستقبل الأجيال التي تأتي من بعده. نقولها عطفاً على الظروف التي تحيط بنا، وبالأخص الظروف الاقتصادية القاسية، والتحديات التي تواجه الدولة لتستمر في تسيير شؤون المجتمع. ندرك تماماً أن إدارة الاقتصاد الوطني عملية ليست سهلة أبداً، هي لا تكون عبر كلام تنظيري مرسل، ولا من خلال الأحلام والتمنيات. ولذلك فإننا نقول إن المهة بالفعل صعبة، لكنها تمضي بتوازٍ مع تزايد التساؤلات القلقة لدى المواطنين بشأن المستقبل، بحيث أصبحت عملية «استقراء» هذا المستقبل أشبه بالكابوس بالنسبة للبعض. في الآونة الأخيرة تكرر على مسامعي وصف مشترك لبعض المواطنين، يصفون المستقبل بأنه سيأتي علينا كـ «أيام سوداء»، وذلك بناء على المؤشرات الحالية، ومدى تضرر وضع المواطن من عملية «المواءمة» والتعامل مع الواقع. لكن هنا نورد ملاحظة هامة، تتمثل بأن المواطن يمضي للتأقلم مع الوضع، مرغماً ومجبراً وليس مخيراً، إذ الاختيار يحتم أصلاً وجود بدائل، وبحسب الواقع لدينا، فالبدائل شبه معدومة. ومع ذلك، هل يعني ذلك أن يستسلم الإنسان للإحباط واليأس، وأن يقبل بأن يمضي عليه الوقت الذي هو يمثل ساعات حياته وهو غارق في «السلبية» والقلق؟!طبعاً لا، فمن يستسلم لهذه الأمور، هو كمن «يضحي» بسنوات حياته، لا يعيشها، ولا يستمتع بها، بل يقضيها في القلق والهم. الشاهد هنا، بأن الناس تحاول التأقلم، وتدعو في نفس الوقت بألا تكون هناك مفاجآت قادمة على حسابها، فإعادة توجيه الدعم بشأن اللحوم مثل بوادر المتغيرات الحالية، وسبقتها طبعاً دعوات التقشف وتقنين الصرف وضبط النفقات، ووصلنا اليوم للتخوف من مشروع التقاعد الذي تبدو ملامحه متركزة على تقليل مزايا الناس. أعود لما ذكرته عن خارطة الطريق الاقتصادية، إذ حاجتها ملحة، ووضعها أمر منطقي مسلم به في الوقت الراهن، أقلها لتكون بمثابة سلاح مواجهة تستعمله الدولة للتعامل مع الوضع الاقتصادي الصعب. هنا أشك في عدم وجود مثل هذه الخارطة، إذ لابد من وجودها، ولابد من وجود خطط وتحركات لدى صانعي القرار لأجل «الصمود» أمام هذا الوضع، بل الخروج منه بما لا يكلف الدولة والناس أضراراً أكبر. ومع الثقة بوجود ذلك، إلا أننا ننبه لنقطة هامة هنا، تتمثل بضرورة إعلام الناس، وطمأنتهم، وتبيان ملامح هذه الخطة، أقلها حتى لا يترك الشارع للإنفلات ولا يكون المواطن عرضة لآفة السلبية والتذمر النابعة من الخوف والقلق. وبالتالي فإن كانت من خطة موضوعة، إن كانت من تحركات لها ملامح واضحة، وإن كانت من سياسة لها سيناريوهات افتراضية، ومحددات قياس، ونتائج متوقعة، وأرقام مؤثرة، فإن كل هذه الأمور من الضروري إطلاع الناس عليها وإشراكهم فيها. الخطأ الذي يحصل يتمثل في أن بعض السياسات ترسم بمعزل عن الشارع، توضع بمنهجية تخلو من عملية استقراء الشارع ودراسته وتوقع ردود فعله، وبالتالي حينما تعلن، أو يتم تسريب جزئيات منها ترى تفاعل الناس قوياً، والأهم هو تفاعل في اتجاه الصد والرفض. السياسات الذكية هي التي تتحصل على توافق الناس معها، هي التي تعرض للناس بهدف معرفة رأيهم قبل تطبيقها، وهي التي تتم مناقشتها مع المعنيين بها، وهنا نعني المواطن، بحيث يتم الوقوف على التداعيات المحتملة إذا ما تم تفعيلها وتنفيذها. لنتذكر دائماً أن الحراك في أي بلد، وعلى مستوى أي قطاع، هو حراك هدفه الأول والأخير المواطن.. كل العمليات التي تتم في الدولة وقطاعاتها تضع المواطن هدفاً أساسياً، وتستهدف عملية التطوير والتحديث التي هي معنية أصلاً بأسلوب حياة المجتمعات وترقية كل ما يتعلق بها من ظروف وأمور باتجاه الأفضل. اليوم لو نسأل أي مواطن عن استقراءاته للمستقبل، فإننا سنجد غالبية كبيرة تعلن صراحة عن مخاوفها وقلقها، نجد أغلب المواطنين يقولون «الله يستر .. والله يلطف»!السؤال هنا: هل هدفنا أن نجعل المواطن يعيش في قلق وخوف من المستقبل؟! هل هناك استهانة بهذا القلق والخوف المجتمعي وتداعياته؟! وهل هناك تصور لما سيكون عليه مزاج الشارع في حال أحس بأن السياسات تمضي للانتقاص من حقوقه والإضرار به؟!كلها أسئلة لابد أن تطرح على طاولات صنع السياسات وحياكة القرارات، بالأخص القرارات المصيرية التي تمس الناس مباشرة. الدول هدفها دفع مؤشرات السعادة، والتي هي معنية بالناس أولاً وأخيراً، هدفها الاستقرار المجتمعي الذي يقوم على وجود الثقة التامة بين الدولة والشعب، ويقوم على عمليات البناء والتطوير والتي وقودها الشعب شريطة أن يكون شعباً مرتاحاً ذا نفسية مستقرة وحياة أكثر استقراراً. رجاءً لا يتوجب نسيان أهم عملية من عمليات التخطيط، وهي تلك المتمثلة في دراسة تداعيات أية قرارات، ورجاء أشد حرارة يتعلق بالناس، فمتى ما ساد التفاؤل والاستقرار لدى الناس، انعكس ذلك إيجاباً على الدولة سواء في أمنها أو حراكها باتجاه التطوير والإنتاجية.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90