الحكومة لم تستفد من تصريح سمو رئيس الوزراء المطمئن بخصوص عدم المساس بمكافأة نهاية الخدمة في قانون التقاعد، كما لم تستفد من قبل، من كل مرة يخرج فيها سموه مطمئناً الناس حين يحدث لبس ويحدث خلاف، وحين يتدخل ليحل العقد ويساهم في تقريب وجهات النظر. تلك سياسة تفاعلية تحركها الخبرة ومعرفة الناس. ولكن ما إن تنطفئ نار حتى تعود من جديد حالة اللبس والغموض بين المواطن والحكومة لعدم وجود نهج مستمر يتفاعل مع الناس، دائماً ما يترك للغموض والإبهام وسوء الفهم مساحة مسيطرة تتحكم في العلاقة.
حين خرج سمو رئيس الوزراء مطمئناً الناس على إحدى مزاياهم الهامة وهي مكافأة نهاية الخدمة، لم تستغل الحكومة ردود الفعل لتمنح الناس المزيد من الاطمئنان، الحكومة ذاتها لم توظف هذا التصريح لصالحها، لم تمنح هذا التصريح فرصة كي تضع قرار عدم المساس بالمكافأة موضع نقاش، أو حتى مجالاً لبحث مزاياه، إذ سرعان ما تسرب موضوع المساس بالمزايا الأخرى ليمحو إثر التصريح الأول، وكانت السلطات التشريعية والتنفيذية تعمل بعضها ضد بعضها أو الحكومة ضد بعضها!
لو وجدت سياسة مرسومة وواضحة عند الحكومة لكيفية التفاعل مع الناس وإشراكهم في القرار وكيفية امتصاص غضبهم وكيفية كسب التحالفات بين أعضاء الحكومة لوجدنا تعاطياً مختلفاً، رؤية موحدة، تحركاً تضامنياً حكومياً بين أعضاء الحكومة وبينهم وبين أفراد ومؤسسات المجتمع.
لو أن لمجلسنا النيابي من جهة أخرى سياسة مرسومة للتفاعل مع الناس وإشراكهم في القرارات المصيرية وآلية واضحة توظف لهذا الغرض متفقاً عليها بين الكتل أو بين الرئيس والنواب وأعضاء الغرفة الثانية لوجدت أيضاً تفاعلاً مختلفاً بينهم وبين الناس، بدلاً من الشكوى عليهم، ولوجدت خيوط تشابك إيجابية بين المجلس والناس، وبين السلطة التشريعية بغرفتيها ساهمت في خلق درجة من درجات التفاهم لتستقر العلاقة بين الناس وبين سلطات الدولة.
خذ من جديد تجربة كالتجربة المغربية (دعوني أعود لهذه التجربة من زاوية أخرى غير الزاوية الحكومية) انظروا لحراك المجلس النيابي المغربي حين طرح موضوعاً كقانون التقاعد أو كرفع الدعم أو أي قرار تقشفي يهدف لسد العجز وتخفيض الدين على حساب امتيازات المواطن، توجه النواب وتوجهت القوى السياسية للمجتمع دون انتظار أن تتكلم الحكومة، والتوجه هنا ليس للإثارة وتجييش الناس والبحث عن النجومية، وإنما التوجه بالمعلومة بالشرح، بمحاولات الفهم والاستيضاح، بمخاطبة عقله ومنطقه.
في التجربة المغربية يومياً تجد على القنوات الفضائية نائباً برلمانياً أو رئيساً لمجلس النواب أو أحد أفراد الأحزاب السياسية في برامج ليلية تلفزيونية لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وناقشتها وعرضت جميع وجهات النظر فيها، بقدر ما ظهر بن كيران رئيس الحكومة على التلفزيون نجد ظهوراً لا يقل عنه لرئيس مجلس النواب راشيد العالمي .
هذا الحراك التفاعلي بين الناس ورجالات الدولة يعرف قيمته من خبر و أدار و عاصر أثر هذا التفاعل من الجهتين منذ نشأة الدولة؛ ليسد فراغاً كبيراً بين الدولة ككيان والناس لا تقوم به المجالس النيابية وحدها.
مجالسنا لم نوظفها رافداً تفاعلياً إلا ما رحم ربي، وخذ مجلس سمو رئيس الوزراء عندنا مثالاً إيجابياً، مجلساً تفاعلياً، كم نحتاج لمثل هذا التعاطي الذي من شأنه أن يسد العديد من ثغرات سوء الفهم، بل إن سموه لم يكتف بالجلوس في مجلسه، فهو يعرف بخبرته أثر هذا التفاعل التي سبق الديمقراطيات وبإمكانه أن يمنح تجربتنا الديمقراطية بعداً اجتماعياً رفداً لها، لو أن أعضاء الحكومة حملوا عبء ردم هذه الهوة مع سموه وانتقلوا في المجالس وفي الندوات وفي الإعلام، لو أن النواب تحركوا بذات القدر لأمكننا أن نعالج الكثير من الاضطرابات بين مؤسسات الدولة والمواطن.
إنما مع الأسف، في البحرين تعد سياسة إلقاء بالونات الاختبار هي السياسة الوحيدة لإشراك الناس في قراراتهم المصيرية، يدحرج الخبر غامضاً لا تعرف مصدره ويسود الصمت المصادر الرسمية، ويترفع المسؤولون عن التفاعل مع الناس الذين يختلط عليهم الحابل بالنابل، ثم نتساءل من المسؤول عن اضطراب العلاقة بين المواطن والدولة.