طورت «نظرية الألعاب» بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لمساعدة أصحاب القرار في تحليل القرارات المتداخلة – لدى جهات متعدّدة – حينما يعتمد خيار جهة ما، على خيارات جهات أخرى، خصوصاً القرارات المتعلقة بالصراعات على الموارد. «والبديل هو «نظرية القرارات» – التي تنطبق على القرارات غير المتداخلة – حينما لا يعتمد قرار جهة ما على قرارات جهات أخرى، مثلاً حينما يختار شخص ما بين الاستثمار في البورصة أو الودائع للتقاعد». واستخدام نظرية الألعاب لتحليل تهديدات إيران الأخيرة، حول إغلاق مضيق هرمز، يكشف لنا أنه ليس من المحتمل أن تقوم إيران فعلاً بذلك، لأنه سيتعارض مع مصلحة الجمهورية الإيرانية.
وهناك مبدأ عام في «نظرية الألعاب» هو – أن الصراع المسلح غير منطقي بالأساس. ويعود ذلك إلى أنّ القتال مكلف للطرفين – ومنهما الطرف المنتصر – لاسيما في الحروب الدولية، حيث إنّه حتى عملية الحشد العسكري مكلفة للغاية.
إذاً، حينما يتضح للطرفين من الذي سينتصر – إن اندلع صراع مسلح – فيفضل التوصل إلى اتفاقية، استباقاً وتفادياً لقتال مكلف. وتشكل عملية سلب مسلحة مثالاً لهذا المبدأ: حينما يهدد المجرم الضحية بمسدس، فمن المنطقي أن يستسلم الضحية، ويسلم ممتلكاته دون أن يطلق النار. وبالتالي يوفر المجرم طلقات الذخيرة، ويتفادى ارتكاب جريمة أكبر، بينما يتجنب الضحية تلقي إصابة أو ما هو أسوأ من الإصابة.
ويسقط المبدأ حينما تبرز حالة لا يقين حول هوية المنتصر المحتمل في حالة حدوث قتال، مما يفتح مجالاً لاشتباك عنيف يتواءم مع «نظرية الألعاب». وعلى سبيل المثال، قد يشك الضحية في قناعة المجرم باللجوء للعنف، مما يدفع المجرم إلى ضرب الضحية، لكي يؤمن باستعداد المجرم على إطلاق النار عند الضرورة. وبالإضافة إلى ذلك، قد يرتاب المجرم في أن الضحية يخفي سلاحاً، مما يدفع المجرم إلى هجمة استباقية لضمان النصر.
إذاً، يستنتج من «نظرية الألعاب» أن القتال يتطلب انعدام اليقين حول نتيجة الصراع، مما يبرّر التنازل عن الحكم لزعيمي كل من مصر وتونس في عام 2011، دون سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، حيث إنه في الحالتين، اتضح لكل الأطراف فقدان كلا الزعيمين لدعم الجيش لهما، وبالتالي فإنهما لن ينتصرا، في حالة اندلاع صراع مسلح. بينما في كل من ليبيا وسوريا، اندلعت حروب أهلية، لأن زعيمي البلدين لم يكونا متأكدين من حقيقة مدى قوّة المتمردين.
إذاً فيما يخص إيران ومضيق هرمز، هل ينعدم اليقين بما يكفي للتسبب في قتال؟ فقد أصبحت القوى الإقليمية تشك في مدى استعداد الولايات المتحدة لاستخدام الأسطول الخامس لحماية مضيق هرمز، نتيجة لتراجع الأنشطة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، بما أن باراك أوباما تراجع عن «الخط الأحمر» بخصوص الأسلحة الكيماوية السورية، فلربما يتنازل أيضاً عما تعهد به في مضيق هرمز، لاسيما في ظل خفض اعتماد أمريكا على النفط الإقليمي.
وهناك سبب آخر لانعدام اليقين في المنطقة، وهو تزايد نفوذ المنظمات العابرة للحدود – منها مختلف الميليشيات الإرهابية العاملة في العراق وسوريا – والتي تولد صراعات عنيفة في الجزيرة العربية. ولمواجهة تلك المجموعات، أصبحت الحكومات تخصص جزءاً كبيراً من مواردها العسكرية لهذا الغرض، مما يخلق فرصاً للآخرين للسيطرة على أراض وموارد كانت في وضع مستقر سابقاً.
ومع ذلك، تغيرت التحالفات الإقليمية، مما غير في التداعيات الاستراتيجية الناتجة عن صراع مسلح في مضيق هرمز. وتحديداً، الدولتان الأكثر تأثراً من إغلاق المضيق هما العراق وإيران، واللتان أصبحتا حليفتين، مقارنة بحالة العدوانية قبل عام 2003.
وتغيرت معادلة المصالح أيضاً، نتيجة للعولمة. فأصبحت كل من الصين والهند يشكلان محركيْن رئيسيين للاقتصاد العالمي، وتعتمد الدولتان على النفط المستورد عن طريق مضيق هرمز. وبالتالي، فإن تم إغلاق المضيق، فسوف تغضب أكبر دولتين في العالم سكاناً، ومن ثم سوف تتأثر أيضاً كل الاقتصادات التي تنهض حينما يرتفع أداء الاقتصادين الصيني والهندي، منها أمريكا. وإشارة لأهمية المصالح التجارية، لا يستخدم كل من الصين والهند قواتهما العسكرية خارج حدودهما، ولكنهما خالفا هذه القاعدة، عندما ساهما في أنشطة مكافحة القرصنة بالقرب من الصومال، نتيجة لأهمية الأمن الملاحي اقتصادياً.
وأدت الاتفاقية النووية الإيرانية إلى تحول في الاستراتيجية الإيرانية، حيث إنها كانت تسعى لزعزعة القوى التي تفرض على إيران عقوبات، بينما تهدف إيران الآن إلى إعطاء الآخرين صورة بأنها شريك متعاون. فأصبحت إيران تتضرر بشكل ملحوظ من التشكيك في دورها في الاستقرار الإقليمي، لأنه يمكن إعادة فرض العقوبات عليها، والرأسماليون الأجانب قد يعيدون النظر في خططهم للاستثمار في إيران.
الخلاصة، قبل عام 2001، ربما كانت إيران قادرة على الاستفادة من إغلاق مضيق هرمز، ولكن أمريكا كانت ستنتصر في أي معركة عسكرية دون شك، مما كان يضمن عدم اندلاع أي صراع مسلح، وفق «نظرية الألعاب». ولكن في الوقت الراهن، هناك جدل حول استعداد أمريكا للقتال، ولكن لا شك في أن إيران ستكون الخاسر الأكبر إن أغلق المضيق. وبالتالي، لا مصداقية لتهديداتها، مما يدفع القارئ للتساؤل حول سبب التهديدات. إن الكلام غير مكلف، خصوصاً عند إيران، التي لديها مصداقية ضعيفة للغاية، فيما يخص الالتزام بما تتعهد به دولياً. ومع ذلك، علق المحلل العسكري سان تزو بقوله: «الأسلوب الأنجع في الحرب هو هزيمة العدو دون قتال». وإن تأتى تحقيق الهدف، دون مواجهة، فلم لا؟