نشر أخيراً تقرير عن أن جماعات سلفية جهادية في قطاع غزة «تسعى إلى تعزيز وجودها عبر استقطاب شبان يعانون من إحباط وانسداد آفاق المستقبل في منطقة واقعة تحت سيطرة حركة حماس وحصار إسرائيلي خانق». وجاء في الخبر أن السلفيين الجهاديين يعملون بين الفتية والشبان مستغلين الفقر والبطالة والحصار والإحباط، وأنهم يعملون بقوة رغم أنه سبق لحماس أن قمعت في السنوات الماضية بالقوة ناشطين «جهاديين» اعتبرت أنهم يهددون سلطتها فدمرت مساجد لهم ولاحقت قادتهم. ولأن غزة صارت ممتلئة بالفقر ومتشبعة به ووصلت فيها حالة البطالة إلى نحو خمسين في المائة بسبب الحصار المفروض عليها من إسرائيل لذا فإنها مؤهلة لإنتاج أعداد كبيرة من المتطرفين الذين من الطبيعي أنهم يعتبرون انضمامهم لتلك الجماعات فرصة للخلاص.
في التقرير أيضاً أن مسؤولاً بتلك الجماعة «الجهادية السلفية» قال إن «نحو مائتي مقاتل سلفي يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة «داعش» في سوريا والعراق لدفع الظلم عن المسلمين رغم محاولات حماس لمنعهم»، وأن النشطاء السلفيين الجهاديين في غزة يقدرون بالمئات. لكن البعض يشكك في هذه الأرقام ويقدر هؤلاء المقاتلين بالآلاف وأنهم ينتمون إلى مجموعة من الجماعات السلفية الجهادية وليس مجموعة واحدة.
المحللون يرون أن هذه الجماعات ستبقى ضعيفة لأنها محاصرة من إسرائيل ومحاربة من «حماس» وأن خطورتها الأكبر هي في تمكنها من الخروج من غزة -والذي يتم عادة عبر معبر رفح في الأيام التي يتم فتحه فيها- فتؤثر بشكل أو بآخر على ما يجري في ساحات سوريا والعراق بشكل خاص، لكن هذا لا يعني عدم تمكنها من توجيه ضربات لحماس في غزة حيث ينفذ عناصر منها بين الحين والحين هجوماً بقذائف الهاون على مواقع تابعة لحماس التي تقول عنها «إنهم يؤمنون بالعنف».
لكن ليست هذه الجماعة أو الجماعات وحدها التي تسعى إلى استغلال حالة الفقر واليأس التي صار فيها الشباب العربي والمسلم، ومثل هذا لا يحدث في غزة فقط ولكن في كل بلد يصل فيه الشباب إلى مثل هذه الحال، فعندما يزداد الفقر وينعدم الأفق أمامهم يسهل التأثير عليهم فيعتبرون ذلك نعمة وفرصة للخلاص. مثل هذا حدث ولايزال في سوريا والعراق ودول عربية وإسلامية عديدة، ما يدفع إلى الدعوة إلى التفكير بجدية في اعتبار الفقر واحداً من مصادر «تمويل الإرهاب».
ورغم أن إيران تستغل حالة الفقر التي يعيشها الشباب العربي والمسلم في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن وغيرها وتتمكن من السيطرة عليهم وتحويلهم إلى ميليشيات تسيطر عليها وتحركها كيفما تشاء بقليل من المال إلا أنها تستفيد أيضاً من الانتماء المذهبي، فتصور للشباب المتحمس في البلدان التي لا يوجد فيها مكان للفقر كدول مجلس التعاون أن المذهب يتعرض للخطر وأنه إن لم يتحركوا ويعملوا من خلالها فإنه سيضيع. «البعض لا يتردد في التشكيك في أن بعض المراقد المقدسة في العراق وسوريا وغيرهما تم تفجيرها من قبل المخابرات الإيرانية بغية تحفيز الشباب ودفعهم إلى الانضمام إلى تلك الجماعات».
أما في إيران نفسها فالأكيد أن السلطة هناك تستفيد من الأداتين، الفقر والمذهب، والأكيد أيضاً أنها تبذل الكثير من الجهود لتبقي الكثير من الإيرانيين في حالة من الفقر يسهل معها استغلالهم وإلحاقهم بالجماعات «الجهادية» التي يتم تحريكها أيضاً من خلال توظيف الوازع المذهبي، فما تقوم به السلطة هناك هو «مساعدة» الشباب الإيراني على التخلص من الفقر بتوفير أمل يتعلقون به، وبتوفير «فرصة لو استغلوها بشكل صحيح فإن مآلهم الجنة»!
لا فرق بين «الجهاديين السلفيين» في فلسطين وفي غيرها من البلدان العربية و«الجهاديين» الإيرانيين فكلهم يبتغون من لحم الشباب شبعاً.