يجمع علماء الاقتصاد والمال والسوق على أن «غسيل الأموال» يعتبر من أكبر المخاطر التي يمكن أن يواجهها أي اقتصاد في العالم، إذ إن هذا السلوك الاقتصادي الخطير يمكن له أن يسقط أنظمة اقتصادية وسياسية قوية، فكيف لا يكون له بالغ الأثر على اقتصادات ريعية واستهلاكية كاقتصادات غالبية الدول العربية؟
يعرِّفون غسيل الأموال بأنه «مجموعة من العمليات المالية المتداخلة لإخفاء المصدر غير المشروع للأموال وإظهارها في صورة أموال متحصلة من مصدر مشروع»، هذا وقد عرفه بعضهم على أنها «العملية التي يتم بمقتضاها إدخال الأرباح المتولدة عن التجارة الحرام والمنضوية على الجرائم في النظام المالي والتي بعد تلك العملية يصبح من الصعب التعرف إلى مصادر الأموال». كما إن من أبرز نشاطات هذه العمليات المستترة كما يراها بعضهم تتمثل في تجارة المخدرات وتجارة الآثار وتجارة السلاح والمواد النووية ونفاياتها، وكذلك العمل في قضايا الدعارة والتجارة فيما يتعلق بالأعضاء البشرية، إضافة لجرائم الكمبيوتر وتزييف النقد وغيرها.
هذه الجرائم المخفية قانوناً والمتحققة فعلياً تعتبر من أكبر الجرائم في عصرنا الراهن، لما لها من آثار سلبية ومدمرة على صعيد أسواق الأموال والبورصات واقتصاد الدولة بشكل مباشر، ولهذا يجب أن تكون القوانين الخاصة بمحاربة غسيل الأموال واضحة وصارمة وقوية ومؤثرة.
لا أعتقد أن المسائل الخاصة بمعرفة وكشف من يقوم بهذه العملية القذرة في واقعنا البحريني أمراً صعباً للغاية، فيكفي ملاحظة أن الكثير من النشاطات التجارية والمالية بدأت كلها خاملة منذ أن تأسست وحتى يومنا هذا، ولذا ستكون مراقبة الأنشطة والمحال التجارية الخاملة جداً، سواء في فترات الركود الاقتصادي أو حتى في فترة الانتعاش في غاية البساطة، ومن خلالها يمكن لنا أن نحاصر من يعمل من جهد يمينه ممن يعمل بأموال مغسولة.
هنالك الكثير من الشركات والمتاجر الكبيرة التي تدفع كل شهر عشرات الآلاف من الدنانير كتكلفة رئيسة لإيجارات مكاتبها ومتاجرها فقط، ناهيك عن بقية الالتزامات المالية الأخرى، لكنها في نفس الوقت لا يمكن لها أن تبيع في الشهر الواحد سوى بضائع بسيطة لا يتجاوز مجمل سعرها مئات الدنانير!
خذوا جولة سريعة في متاجر غالبية الآسيويين الذين يملكون متاجر في أسواقنا المحلية كسوق المنامة، الذين يضعون أيديهم فوق «خدودهم» من شدة الملل وبسبب عدم وجود أدنى حركة تجارية صوب محالهم، فكيف يمكن لهم أن يقوموا بتسديد فواتير كل الالتزامات الخاصة بتلكم المحال!
ليس هذا وحسب، بل يمكنك في بعض الأحيان أن تدخل متجراً من المتاجر التي تكلمنا عنها قبل قليل والتي ربما يصل إيجار الواحد منها لأكثر من 500 دينار بحريني في الشهر، لتجد أن سعر كل البضائع المعروضة في ذلك المتجر لا تتجاوز الـ 100 دينار فقط، فهل يمكن للمنطق الاقتصادي أن يتقبل بأن هذا الآسيوي لا يعمل في إطار منظومة «مافيا» غسيل الأموال؟
إذا أرادت الدولة أن تحمي اقتصادنا الوطني فعليها أن تقوم بسن قوانين صارمة في وجه كل الشركات والمؤسسات والمتاجر التي يكون مدخولها أقل بكثير من إيجاراتها وبقية التزاماتها، إضافة لمراقبة كل الأنشطة المشابهة لمثل هذه المتاجر الصغيرة التي يفطن المواطن العادي لغسيلها فكيف لا يمكن لجهاز أمننا الوطني الخاص بمكافحة غسيل الأموال أن يقوم بمراقبة هذا الوباء الذي يعتبر من أشرس الأعداء لاقتصاد آمن ونزيه وعريق وذات ثقة كاقتصاد البحرين؟ ومن هنا نقول يجب إعادة النظر في قضايا غسيل الأموال وتشريعاته من جديد.