كيف تعد وتؤهل وتدرب مواطناً على خيانة وطنه في عشر سنوات؟ وكيف تمزق وطناً في ذات المدة؟
هذه الوصفة تم تجريبها ونجاحها بجدارة، وأعدت فرقاً من الجواسيس والخونة الذين يرون في وطنهم مصدراً للنفور والازدراء ويرون في عواصم أجنبية مصدراً للفخر والاعتزاز.
ابدأ بسلخ الطفل عن هذا الوطن فكرياً، واختر مراكز التأثير الاجتماعية، بيتاً، مدرسة، دار عبادة، «أصلاً لا بديل»، اعمل على تسطيح الانتماء الوطني وبالمقابل تعزيز الانتماء الديني أو المذهبي، فليس الوطن من يحميك وليس الوطن ما تنتمي له إنه العقيدة الدينية، وانتماءك «الحقيقي» حيث تزدهر هذه العقيدة، كثف من هذه الدروس منذ الصغر واستغل كل منبر، وكل منصة إعلامية لتصل إلى فئة الشبيبة، دعه يفهم انه سيجد الحماية الروحية، هناك في تلك العواصم حيث سيتجمع أصحاب العقيدة الفكرية المشابه له هناك سيفهمونه أكثر ويحبونه أكثر، هناك الصفاء والنقاء والحب والمعجزات والكرامات، هناك سترتقي هناك ستعلو ستسمو.
ثم ركز على استبدال الرموز الوطنية بالمرجعيات الدينية، اسخر من العلم والأوراق الثبوتية واطعن في المؤسسات والقيادات واعمل على ربط وإسقاط التاريخ على محيطك، حتى تخلط الذاكرة بين الصورة والواقع، فمن ظلم عقيدتك هم من يتقلد الحكم في وطنك، أنت حفيد المظلوم وهو حفيد الظالم.
ثم القوانين اكسرها والمؤسسات أنكرها، اعمل على تغيير ملبسه ولهجته ومصطلحات خطابه وقربه من فكر وثقافة المركز العقائدي، وإن كان من قومية أخرى أو إثنية أخرى، فاجعل تلك الجذور أقرب إلى قلبه، واربط كل ما هو جميل بالانتماء العرقي الغريب، واجعله غريباً في عقر داره، المهم سلخه من أرضه ونزع جذوره من أرضه.
علمه أن قانونك هو القانون الدولي، ومؤسساتك هي المنظمات الدولية، وحيث مركز العقيدة يكون حضنك ومراسي روحك وتجمع جماعتك، ثم خيره إما أن يكون في معسكر جماعته أو معسكر وطنه؟
انظر للكادر النشط في «الجماعة» من المذهبين السني والشيعي، ستجد انتمائه الروحي ممتداً، حيثما يكون للمذهب مركز وبؤرة تجمع في عواصم أجنبية في مدن أجنبية، تابع نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، ستجد تلك العواصم هي أقرب له من حبل الوريد، يفرحه نجاحها ويسعده، ويحزنه حزنها ويغضب للمساس بها ويخرج من طوره، ويستفز إن تحدث أحد عنها بسوء، يضخم انتصاراتها ويراها لا تهزم لأن الله معها، وبالمقابل تجده يشمت في أحزان وطنه ويبرز مواضع نقصها ويتفاخر بأي سوء يمسها.
نفس الممارسات الأمنية حين تقوم به دولته وتقوم به عاصمته الدينية، لكنها في العاصمة الدينية مقبولة ومشروعة ولها مبرراتها، في وطنه غير مقبولة ولابد أن تكون بواعثها خبيثة.
هكذا تكون قد أعددت مواطناً قابلاً ومهيئاً ومستعداً حتى بالمجاهرة بالخيانة، معتبراً إياها عملاً مشروعاً بل ومحبذاً ويقربه إلى الله، الآن قد هيأت مواطناً يتشرف ويفاخر بالطعن في الوطن وبحرقه وبتدميره فماذا بقي له من الوطن؟ الوطن أصبح طارداً منفراً قميئاً كل ما فيه عدو له وخصم سواء كان لك قانون أو مؤسسة أو شركاء في الوطن.
ارجع البصر مرتين كم من هؤلاء صادفتهم في طريقك في عملك في حيك في الفضاء الإلكتروني في البحرين؟ كيف تنازلت البحرين عنهم ووقفت تتفرج وهم يسرقون أبناءها من حضنها؟
أي تنمية؟ أي اقتصاد؟ أي هوية؟ أي نهضة ترتجيها البحرين وآلاف من أبنائها لا يرون المنامة عاصمتهم؟ نصف أبنائه يرون في المحرق مركزاً للأعداء والرفاع موقعاً للطغاة ونصفهم الآخر لم يدخل سترة خوفاً ولن يمر قرب كرباباد ازدراءً؟!