لا عيب في قلة المعرفة ما دامت النية صادقة في تحسين الأداء فالتعلم المستمر متاح للجميع.
بالأمس في جريدة «الوطن» اعترف أحد النواب أن العديد من زملائه وأنه هو شخصياً مازال يجهل كيفية توظيف بعض الاختصاصات والأدوات التشريعية والرقابية النيابية، لدرجة أن بعض النواب يتقدم باقتراح برغبة للحكومة «بسن» قوانين أو «بتعديل» قانون، وهذا اختصاصه هو لا اختصاص الحكومة، أو يتقدم برغبة ثم يكتشف أنها متحققة فعلاً، لكنه لم يكلف نفسه السؤال ولم يستفد من أدوات التعلم المتاحة له، قبل تقديم المقترح!!!
إنه اعتراف يدل على أن هذا النائب على استعداد للتعلم وعلى استعداد للاستفادة، وهذه سمة يفتقدها العديد من نوابنا مع الأسف والدليل أن مشاركة النواب في الدورات التي يقيمها معهد التنمية السياسية أقل بكثير من مشاركة أعضاء مجلس الشورى! رغم أن العكس هو المفروض، فأعضاء الشورى ذوو اختصاص ومنهم ذوو خبرة ومع ذلك فإنك تجد مشاركتهم في الدورات التثقيفية تضم عتاة التشريع وخبراته ولم يأنفوا ولم يكابروا في استعدادهم للتعلم.
ولطالما اشتكى رئيس المجلس من قلة تجاوب النواب مع الدورات التثقيفية أو ورش العمل التي يقيمها المعهد أو التي تقيمها الأمانة العامة، وهذا الترفع عن التعلم ندفع نحن ثمنه كمواطنين قبلنا باختيارات قليلة الخبرة «برلمانياً» بعد أن تأملنا فيها خيراً، واعتقدنا أن الرغبة في خدمة الناس ستدفعهم للتخلي عن كبريائهم وقبولهم التعلم لاختصار المدة ولاكتساب المهارات المطلوبة، ولكننا خذلنا.
وهذان مثالان أوردهما النائب يدلان على كم الوقت الذي ضاع في مناقشة قضية محلولة وموجودة، وكان مجلس النواب رفض في إحدى جلساته الاقتراح برغبة بشأن «إنشاء أمانة عامة للتظلمات تختص بالشكاوى المتعلقة بالقطاع الصحي» ولماذا رفض المجلس هذه الرغبة ولم يقدمها للحكومة؟ لأن هيئة للصحة موجودة ومهمتها أن تتلقى الشكاوى.
ثم أعاد المجلس لنائب آخر طلبه لمزيد من الدراسة لأنه تقدم برغبة بشأن توجيه دعم صندوق العمل «تمكين» إلى «المؤسسات البحرينية» فقط، فقرر المجلس إعادة المقترح لسعادة النائب لمزيد من الدراسة، لماذا؟ لأن سعادة النائب لم ينتبه إلى أن جميع الشركات والمؤسسات المرخصة من البحرين تعتبر شركات بحرينية قانوناً، وإن كانت تمول برأس مال أجنبي.
أي أن الرغبتين متحققتان، وكم من مرة ردت الحكومة على العديد من الرغبات بأنها متحققة، وكان النائب قدم رغبته دون مجرد السؤال إن كان ما يطلبه موجوداً أم لا؟
هذان مثالان استعرضهما النائب يدلان على عدم بذل النائب لأي جهد قبل أن يضيع وقت المجلس ووقت المواطن بالتالي، والأمثلة الأخرى التي تعطيك مؤشراً على تضييع وقت المجلس وبالتالي وقت المواطن هي حين يترك النائب اختصاصاته الأصلية ويتفرغ لاختصاصات النائب البلدي، لأن «مرتفع» في شارع الناخبين أو «إشارة ضوئية» «إنجاز» مرئي للنائب سيتذكره الناخب في الفصل التشريعي الثاني، في حين أن قانوناً أو تشريعاً لن يرى بالعين المجردة!
مع الأسف يخشى بعض النواب الاستعانة بالأمانة العامة أو الاستعانة بالغرفة الثانية للسلطة التشريعية أو رفع الهاتف والسؤال لأي من المختصين، خوفاً من اكتشاف قلة معرفته واتهامه بالجهل، ويفضل أن يبقى في تخبطه لدورين وربما لثلاثة وربما لنهاية الفصل على أن يطلب العلم ويطلب المعلومة ويطلب المساعدة، ومن يدفع الثمن؟ نحن من ندفع الثمن، حيث تضيع حقوقنا ويضيع وقت الجلسات. بعض النواب يراهن على جهل الناخب، وبعضهم يراهن على قدرته على «التذاكي»، المشكلة أن العديد من هذه النوعية يعاد انتخابها!!
وخاب ظن المثل القائل إن «التحسونه» لا يتم تعلمها في رأس القرعان، والصحيح أنهم تعلموها ونص.. ومازلنا قرعان!!