بدأت الحروب في العالم بالسابق ضد مجموعة من الدول، خاصة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، ووصولاً إلى الحرب الباردة إلى أن تم بعد ذلك إعلان الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، حينها بدأ الجيل الثاني من الحروب وهي الحروب الداخلية بين الجماعات في الدولة الواحدة إلى أن وصلت الحروب على مستوى التنظيمات الإرهابية فيما يقال إنها حروب إرهابية عابرة القارات.
بدأت الدول العظمى التفكير جدياً في الجيل الثاني من الحروب والذي يستند في تنفيذه إلى وسائل الإعلام، لا سيما عندما انتقل العالم من المجتمع الزراعي والصناعي إلى أن وصل أخيراً لمجتمع المعلومات، والذي نرى مظاهره في الفترة الأخيرة عبر تدشين برامج التواصل الاجتماعي، وباتت ترسل الرسائل بلا رقيب ولا حسيب، ولا يمكن لأي دولة بالعالم النامي أن توقفها بتاتاً لأنها فرضت نفسها على المجتمع.
الحديث حول ذلك سيطول، ولكن ما يهمنا هو الحديث عن الجيل الجديد في الحروب حول العالم، حيث وجدت الدول العظمى أن الحروب بين الأفراد أو الجماعات هي أساس الانتصار على الدول النامية، وذلك لتحقيق مصالحها فيها، مما أسفر عن ذلك زيادة الإنتاج في مصانع الأسلحة إضافة إلى ما شهده العالم من خفض في أسعار مصادر الطاقة، وبالتالي فإن العملية الإنتاجية ستكون زهيدة الثمن، وفي الوقت نفسه فإن الدول العظمى لديها مجموعة من المخططات والمؤمرات للجيل القادم، مما يجعل العالم اليوم أمام تحد جديد يحتاج منا الاستعداد له لمحاربة الأعداء.
حيث إن ملامح الجيل الجديد من الحروب قد بدأ بالظهور تدريجياً وأبرزها هو خلق حرب داخل عقل الإنسان نفسه من خلال التشكيك بكل ما يجري حوله، حيث وظفت ذلك عبر وسائل وبرامج الاتصال الحديثة، فمثلاً يأتي أحد الأشخاص المشهورين بتلك البرامج ويعرض حياته كاملة أمام الجمهور، ولكن هذا الجمهور لا يعي أن ذلك الأمر مخطط له مسبقاً من قبل تلك البرامج التي تخدم الدول العظمى، وربما يكون الجمهور الأغلب ليس من الفئة البرجوازية التي يمكنها التقليد، في حين أن ما يشاهده يسعى إلى أن يقوم بتقليده حتى يصل به الأمر لتطويره، ويبقى الفرد في دوامة حول نفسه، ويبدأ التفكير في كيفية القيام بما يقوم به الشخص المشهور، وينحصر التفكير فقط حول ذلك، وبالتالي يبدأ الصراع الداخلي والنفسي وتبدأ المعاناة والاحتياج وينطلق الفرد من نقطة لا نهاية لها.
وهذا نموذج للجيل الجديد من الحروب في العالم، بحيث أن بروز تلك الشخصيات المشهورة أو مظاهر الحياة السعيدة يخلق للفرد الحاجة بأن يكون فرداً من تلك الحياة، إذ يرى أن حياته الحالية لا تتواءم مع ما يشاهده، ومن هنا تبدأ المشكلة الأساسية فعندما تخلق الحاجة غير الضرورية تبدأ الدول العظمى في تقديم جميع المغريات لتحقيقها، وهي لا أساس لها بالواقع، فمثلاً عندما تطرح أحد الشركات منتجاً يملكه المشاهير يتم استدراج المتابعين الذين معظمهم من الفقراء الذين يبحثون عن طريقة لشراء ذلك المنتج، وبالتالي فإن خيارات التمويل ستتحرك، ولكن الجمهور في دول العالم النامي هم بالأغلب من فئة الشباب حيث تنتشر بين تلك الفئة معدلات البطالة العالية وتنشغل تلك الفئة بتقليد تلك الشخصيات المشهورة، ما ينتج عنه زيادة معدلات الجرائم ومنها السرقة، وغيرها من الأمور الخارجة عن القانون، بهدف الوصول للحياة السعيدة التي رسمت بالأفلام وبرامج التواصل الحديثة مما يخلق اضطرابات بالدولة، وتبدأ المنظمات والجماعات الإرهابية تصطاد ضعاف النفوس من هذا الجمهور ومن ثم تبدأ الدولة تدخل في عصر الفوضى، إلى أن يتم مسحها من على خارطة العالم، ويتدفق مخزون ثرواتها للدول العظمى.
جيل جديد من الحروب في العالم للأسف غفلت عنه دول العالم النامي وخاصة دولنا العربية، حيث إن التثقيف الإعلامي لا يتوقف فقط بتحليل الرسالة بل إن التثقيف الإعلامي هو أن يكون للجمهور دور رئيس في الرسالة ورفضها بما تحمله من نماذج للغرس الثقافي وخلق الاحتياجات والرغبات التي لا يحتاجها المجتمع للتطوير، فمجتمعاتنا تحتاج لسواعد تبنيها وليس سواعد للتباهي.