هناك الكثير من العوامل والأسباب التي تؤدي إلى انخراط الكثير من شبابنا في وطننا العربي والإسلامي للانضمام إلى مجاميع إرهابية خطرة للغاية، وبالتالي من السهولة بمكان أن يتحول هؤلاء الشباب من كارهي الحياة إلى مجموعة من المشاريع الانتحارية من المحيط إلى الخليج، لا يمكن السيطرة على تناميهم وتمددهم وانتشارهم وتكاثرهم، فانتشارهم بات يستشري في صفوفنا بشكل مخيف قد يهدد أمن واستقرار دولنا، وهذه النكبة الحقيقية هي الحاصلة في هذه المرحلة.
لعل من أبرز وأهم العوامل التي تدفع شبابنا للانخراط في تلكم المجاميع الإرهابية المنظمة هي مسألة التطرف الديني، سواء كان التطرف نتاج قراءة مضللة في التراث الفكري والديني أم من خلال الخطاب الديني غير المتجدد والمتصلب. فشبابنا في النهاية هم محصلة مناهج فكرية خاطئة وخطابات تكفيرية يتلقونها عبر مجموعة مختلفة من الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال منابر المساجد ودور العبادة وكذلك عبر نتاج معرفي مختل تُنتجه القراءة في أشكالها المتعددة.
القضاء على التطرف يقتضي جهداً جباراً من طرف الأسر والمجتمعات والدول العربية والإسلامية قاطبة ومن منظمات المجتمع المدني، كما يتطلب تدخلاً مباشراً من الهيئات والمؤسسات الدينية التي يجب أن تقوم بدورها الحقيقي في إفشاء قيم السلام والمحبة والتعايش بين كل أطياف المجتمعات البشرية، دون تقسيم البشر إلى طبقات معزولة عن الحياة، خصوصاً في أوساط الشباب الذين يمتلكون رصيداً هائلاً من الانفعالات والعواطف والحماس، فالكثير من المتشددين يلعبون على هذا الوتر الذي يمكن أن يرسل صغارنا إلى محارق ومعارك قد لا تخصهم، ومن هنا نجد أن وقود التطرف في الغالب هم فئة الشباب والذين يعتبرون من أكثر الفئات انخراطاً في صفوف المجاميع الإرهابية دون غيرهم.
اليوم هنالك الكثير من الأديان الأخرى غير الإسلام، كالمسيحية واليهودية والبوذية وغيرها الكثير، لكننا لم نجد شباب تلكم الديانات يقومون بتفجير أنفسهم وتفخيخ أجسادهم والإضرار بأوطانهم ومجتمعاتهم، ليس لأن المفاهيم الإسلامية هي السبب في هذه الكوارث، كما إن الديانات الأخرى - غير الإسلام - ليست هي الأفضل في مبادئها وقيمها من المفاهيم الإسلامية، بل كل ما في الأمر هو أن الخطاب المتطرف في تلكم الديانات بات معطلاً وغير فعال في هذه المرحلة من التاريخ، بينما التطرف في خطابنا الديني الإسلامي هو السائد في عصرنا الراهن، ومن هنا يجب قطع دابر الخطاب المتطرف كي لا يُنتج نفسه عبر مجموعة من المتطرفين. المشكلة في الخطاب وليس في الإسلام، وعليه يجب توجيه وترشيد خطابنا الديني في سياق المدنية الحديثة وعلى طريق التحضر واحترام الأوطان وتوقير الإنسان، بعيداً عن كل التشنجات والعصبيات والانفعالات والمذهبيات التي أنتجت سلوكاً فجاً في أوساط المجتمعات الإسلامية أدى إلى تأخر العرب والمسلمين قروناً حيث كان بالإمكان أن يكون حالنا أفضل مما هو عليه اليوم ومما كان.