لا بد لنا أن ندرك، وأن نعترف لأنفسنا بأن ما نشهده اليوم هو عبارة عن هجران أمريكي للمنطقة. وبينما البعض يقول إن تضعضع العلاقة متصل بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأنه ربما حين يترك البيت الأبيض ستعود المياه إلى مجاريها، إلا أنه والحق يقال إن هذا الابتعاد والهجران الأمريكي لا يتعلق باوباما تحديداً، بل بمعطيات استراتيجية وداخلية، تنذر بانسحاب أمريكا من المنطقة. وبينما كان لدى بوش ما يشبه الهوس بالمنطقة، جراء التغيير، لا سيما نشر ما يسمى بـ «الديمقراطية» ولو بالقوة وما نتج عنها من كوارث، نرى اليوم أمريكا تدير ظهرها للمنطقة. فالاعتقاد السائد أن امريكا ستزيد الطين بلة ولذلك خير ما تفعله هو الانسحاب بكياسة، والإشارة المنبّهة الأولى للهجران الأمريكي كانت موقف الولايات المتحدة حيال حلفائها التاريخيين مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك ومن «الربيع العربي»، أما الإشارة المنبّهة الثانية كانت الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران. لكن رب ضارة نافعة، فانفتاح أمريكا على إيران ربما يدفع البلدان الخليجية للدخول في نمط وحدوي أقوى، لدرجة أن بعض الأصوات الخليجية النافذة - مثل الأمير تركي الفيصل - باتت تدعو إلى تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد فالتهديدات الخارجية المتمثلة بالخطر الإيراني أصبحت كافية كي تبعث ضغطاً يكسر عقدة الأمن التي استمرت طويلاً تلاحق البلدان الخليجية في علاقاتها البينية تجاه بعضها البعض.
في ظل الهجران الأمريكي يسعى الخليج للارتكاز إلى المنظومة العربية الإسلامية وإلى استبدال التعاون الأمريكي بتحالفات عربية إسلامية، وذلك إثر انفتاح أمريكا على إيران وعقد الاتفاق النووي دون إدخال دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية لاسيما وأن المفاوضات كانت بوساطة عمانية جعل المملكة تسارع بالبحث عن بدائل.
من هنا نشأت الحاجة الى قوة عربية مشتركة وقد تم الإعلان عنها مؤخراً خاصة في لقاءات بعض الحكام العرب، وبالرغم من أن تلك القوة تواجه تحديات منها التدريبات المشتركة، وعدم الثقة بين الأعضاء، وتباين المواقف من الصراعات الحالية، ومنها سوريا واليمن، إلا أن الحاجة تدفع بالأعضاء للاصطفاف، وقد ظهر ذلك جلياً في زيارة خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لمصر، والحديث عن القوة العربية المشتركة وتفعيلها، وتوطيد التعاون بين البلدين. لذلك بينما يكثر الكتاب والمثقفون من هجاء أوباما، فإن على من يمتلك بصيرة بعيدة أن يشكره لأنه من حيث لا يدري فعل الانصهار العربي، الذي لطالما تكلمنا عنه، فرب ضارة نافعة.