إن أكبر المعضلات السياسية التي تواجه دولنا العربية عموماً والخليجية خصوصاً هو عدم مقدرتها على قراءة الواقع السياسي بشكل علمي إضافة لعدم مقدرتها على قراءة الأحداث في سياقها الطبيعي، وهذا الاختلال والاعتلال في منطقة القراءة السياسية تؤكده الأحداث والمواقف والتجارب العربية حين تتعامل مع القوى الكبرى، فتبدو الدول العربية في سياق الصراعات السياسية الكبيرة غير ناجزة وغير فاعلة، بل تبدو في كثيرٍ من الأحيان خاضعة وتابعة للأجنبي.
لعل دليل صدق هذا الحديث هو في الكيفية التي تتعامل بها الدول العظمى - وأشير تحديداً هنا إلى الدول الغربية الرأسمالية - مع بقية الدول العربية، فعلى الرغم من الثروات الهائلة التي يملكها العرب إضافة للمواقع الاستراتيجية التي يتمتعون بها على صعيد الجغرافيا إلا أنهم لا يملكون قرار الانفصال عن القرارات السياسية الكبيرة، فعناوين الهيمنة والغطرسة الغربية هي العناوين الصريحة التي تتحكم في عالمنا العربي، ولهذا فإنهم مستعدون ليفسدوا كل تاريخنا معهم ويشطبوا كل العلاقات بيننا وبينهم بجرة قلم، إذا تعرضت خزائنهم للإفلاس على اعتبار أنهم يحكمون دولاً رأسمالية بحتة، وهذا هو الأمر الذي أشرت إليه في بداية حديثي هنا، وإننا دول لا تستطيع قراءة كيف تفكر الدولة الرأسمالية منذ نشأة علاقتنا معها وحتى هذه الساعة!
اليوم تأتي أمريكا في سياق وعيها بأهمية المال في ظل الظروف السياسية الكبيرة الحالكة التي يمر بها العالم إضافة لإفلاس هذه الدولة الكبيرة بسبب أزمات مالية وسياسية متلاحقة، لتتكلم معنا بطريقة وضيعة عن عقوبات وتجميد أرصدة لدول مستقلة وتعويضات مجزية لها ولضحايا 11 سبتمر على وقع تاريخ انقضى قبل عدة أعوام وطويت ملفاته، لكن الدولة الأمريكية المبتزّة تخرج لك وقت الإفلاس، وحينها لن يكون الحديث عن الشرف والأخلاق والتاريخ أي معنى في مقابل بقاء الرأسمالية. ربما تكون الإثارات الأمريكية بخصوص التعويضات هي مقدمة حقيقية للطلاق البائن بين واشنطن والدول العربية، ولربما يكون توقيت هذا الطلاق ليس ببعيد، فكل المؤشرات السياسية تشير إلى أن أمريكا غسلت يدها من المنطقة، ومن هنا يجب على الدول العربية كذلك أن تغسل أيديها وأرجلها من الوجود الأمريكي والتحرر من التبعية المستفزة كلما لاحت أزمة في أفق العلاقات، فالنظام الأمريكي لا يهمه ما يقال في نشرات الأخبار العربية حول «تاريخ العلاقة بين البلدين الشقيقين» بقدر ما يهمه تدفق النفط وتوفير المال وبيعه السلاح وضمانه المستقبل، وهذا الأمر الذي يجب أن يدركه العرب من أجل أن يرسموا لأنفسهم طريقاً آخر غير طريق الهوان، فأمريكا لن تدوم وكذلك الدول العظمى لن تبقى، لكن ما سيبقى ويظل هو كرامة «الوطن العربي» حين لا يكون لنا همّ سواه.