اليوم في ظل التحديات المحيطة بنا، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية، عملية «التأقلم» مطلوبة، بل هي أصلاً مفروضة وليست خياراً مطروحاً
لكن رغم ذلك، لابد من العمل وعيوننا تتركز دائماً على المواطن ومكتسباته، إذ الخطير جداً اليوم، أن نصل لمرحلة نطلب فيها من المواطن أن يصحح مسارات يفترض بقطاعات الدولة ومسؤوليها أن يصححوها منذ زمن طويل، أو أن نفرض عليه أعباءً تضاف إلى أعبائه الشخصية، وطبعاً الأخطر من ذلك أن نصل لمرحلة «نمس» فيها مكتسبات المواطن.
التنمية في البحرين مستمرة طوال عقود عديدة، ومشروع جلالة الملك الإصلاحي جاء بهدف زيادة مكتسبات المواطن، وأضع خطاً هنا تحت كلمة «زيادة».
والمقصود بزيادة مكتسبات المواطن واضح تماماً، بأن الوضع الذي عليه الناس لابد وأن يكون مساره متجهاً بطريقة تصاعدية نحو الأفضل، وأي تذبذب في هذا المسار أو تراجع لا سمح الله، فإنه يعني بالضرورة خللاً في عملية التنمية، وأنه لابد من وقفة للتصحيح.
حتى في الرؤية الاقتصادية هناك ذكر صريح لمكتسبات المواطن، وأن الطموح باتجاه تحسينها وتطويرها. كل هذه الأمور المعنية بمكتسبات المواطن موثقة في لوائحنا ووثائقنا، ما يعني أن حراكنا المستمر لابد وأن يكون في هذا الاتجاه، وما يخالفه يعني أن هناك أوجه خلل وقصور لابد وأن تعالج. حينما تم استعراض الوضع المالي للدولة بداية العام الحالي، وما ارتبط به من تراجع أسعار النفط، كانت المخاوف بأن يكون لهذا تأثير على الناس، وحذرنا من ذلك، وقلنا أنه خطير جداً أن نصل لمرحلة نقول فيها للمواطن «ادفع أنت الضريبة»، ففي عديد من الأمثلة والملفات، المواطن لم يكن له دور في صناعة القرار، أو تقرير الاتجاهات، بالتالي هو في حل كامل من أية تبعات تحصل هنا.
عملية إعادة توجيه الدعم عن اللحوم أثرت بشكل نسبي، لكنها لم تنتقص من مكتسبات الناس، هي وضعتهم أمام خيارات في مسألة الأمن الغذائي، ومعها تعامل الناس بنوع من الواقعية في شأن استهلاكهم للحوم.
مسألة رفع أسعار الوقود والبنزين أيضاً جاءت وكأنها موجة من موجات الغلاء، لكن معها أيضاً حاول الناس التأقلم، سواء عبر استخدام الوقود الأقل سعراً، أو عبر تقنين الصرف والاستعمال، أو الحرص في الاستهلاك.
ما أريد بيانه بأن هاتين الخطوتين اللتين جاءتا بناء على المتغيرات الحالية في شأن الاقتصاد، كلها فرضت أعباءً مالية أكثر بشكل ما على المواطن الذي مازال على نفس وتيرة الاستهلاك والاستخدام، لكنها لم تصل لمرحلة «الانتقاص» من مكتسباته.
الحديث عن المساس بالمكتسبات جاء عندما بدأت تبرز مؤشرات عن تعديل قانون التقاعد، وزيادة السن القانوني للتقاعد، وإلغاء مكافأة نهاية الخدمة، ومنع شراء السنوات، وزيادة نسبة الاستقطاع الشهري من رواتب الناس فيما يتعلق باشتراكات صندوق التقاعد والتأمينات.
هذا الملف بالذات اتجاهه واضح ومباشر، بأنه سيؤثر على «مكتسبات الناس» وسيمسها، ولذلك كان اللغط كبيراً في الشارع البحريني، وساد القلق من المستقبل، والاستياء من الغموض الرسمي الذي أحيط به هذا الملف. وفي مقابل صمت الجهات المعنية وترك الناس تضرب أخماساً في أسداس، نحمد الله بأنه كان هناك من يستمع ويقرأ للصحافة والكتاب، ومن يتابع ما يموج به الناس ويعبرون عنه بشأن الموضوع في وسائل التواصل الاجتماعي، ونعني به صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه.
أولى تصريحات حسم الجدل بشأن الملف صدرت من الأمير خليفة بن سلمان قبل أسبوعين بشأن مكافأة نهاية الخدمة، والتي بشأنها طمأن الناس بأنها لن تمس، وهو ما كان له الأثر الطيب على الكثيرين، خاصة ممن فكروا جدياً بتقديم طلبات التقاعد حتى لا يخسروا هذا «الحق المكتسب».
ومع ذلك استمرت تساؤلات الناس بشأن بقية الأمور المعنية بالقانون، خاصة وأن هناك تسريبات تقول بأن ستفرض نسب زيادة في الاشتراكات ما يعني أن المواطن سيتأثر دخله وسيدفع أكثر، وهو ما يعني بأن «مكتسباته» ستمس لا محالة، إضافة لبقية الأمور المعنية برفع السن والسنوات وغيرها.
الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله في جلسة مجلس الوزراء الأخير، وفي سعيه الدائم لحماية حقوق الناس وتهدئة نفوسهم وقطع الشك باليقين قال بصريح العبارة: «حقوق المتقاعدين محفوظة والمكتسبات التي حققتها الحكومة لهم مصانة، وأن جهودها مستمرة في إيجاد الخيارات التي تسهم في ديمومة الصناديق التقاعدية وإطالة أعمارها».
ومع الشكر والتقدير المستمر لسموه على تفاعله الدائم مع الناس، والتواصل معهم عبر الصحافة، فإننا نؤكد على ما مضى إليه الأمير خليفة، من أن أبرز واجبات الدولة اليوم «صون مكتسبات الناس»، أي بما معناه الحفاظ على المكاسب التي حققتها حركة التنمية في البلاد في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله.
أي خطط توضع وأي استراتيجيات ترسم، لابد وأن تضع «تعزيز مكتسبات الناس» على رأس أولوياتها، وإن لم تفعل وتسببت بـ «انتقاص مكتسباتهم» فإنها لن تكون استراتيجيات ناجعة، كونها توقع الضرر بمن يفترض أن نعمل جميعا لأجلهم، وهم شريحة المواطنين.