اليوم صار الصراع في العراق وسوريا واضحاً، وصار حتى فاقد البصر يرى بوضوح كيف أن المواطنين من أبناء البلدين وكل من صار جزءاً من المشكلة فيهما بسبب التدخل بطريقة أو بأخرى انقسموا إلى فريقين، يحارب بعضهما البعض، ويعرفان تمام المعرفة أن أحداً منهما لن ينتصر على الآخر، وأن المستفيد في كل الأحوال هو الغرب، الذي لن يترك أحداً في حاله، طالما توفر ما يشجعه على الابتزاز. والمتابع لتطورات الأحداث اليومية في هذين البلدين العربيين يرى في كل حين صوراً تؤكد كل هذا ويتأكد من خلالها أن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ.
في العراق وسوريا تواجدت بعض الدول العربية أملاً في إنقاذهما من الوقوع في براثن من يريد بهما السوء، فصارت جزءاً من المشكلة وجزءاً من الحل، وفيهما تواجدت إيران أملاً في إكمال مشروعها الهادف إلى السيطرة على المنطقة وصارت هي الأخرى جزءاً من المشكلة ومن الحل. اليوم لم يعد ممكناً حل مشكلات العراق وسوريا من دون توصل كل هذه الأطراف إلى اتفاق. ولكن، لأن الأهداف التي صار يسعى كل طرف فيهما إلى تحقيقها تختلف كثيراً عن الأهداف التي تسعى الأطراف الأخرى إليها، لذا فإن واقع الحال يدفع إلى القول إن الوضع مؤهل لمزيد من التعقيد، وأن أحداً لن يتمكن من تحقيق أهدافه، ويدفع كذلك إلى البحث عن تفسير لموضوع اتخاذ إيران خطوة توظيف كل قدراتها في تخليص الفلوجة من تنظيم الدولة «داعش» والذي من الطبيعي أنها ستضر بمصالح الأطراف الأخرى فلا تقبل بها وستعمل على إعاقتها.
المشكلة الأكبر في العراق وسوريا هي في التواجد الإيراني الذي ظلت حكومة الملالي تنفيه وترفض كل من يتهمها به قبل أن تضطر إلى الاعتراف به وصولاً إلى العمل على المكشوف، فهي اليوم تعمل «عيني عينك» في هذين البلدين العربيين الأصيلين ومن منطلق أنهما ولايتان فارسيتان.
إيران هي التي أسست «الحشد الشعبي» في العراق وهي التي تدعمه وتتحكم فيه وتحركه، وإيران هي التي تدير العمل الميداني في سوريا، وتدعم النظامين في البلدين بكل ما أوتيت من قوة، ولهذا فإنها تسعى لإثارة المشكلات مع العديد من البلدان العربية خارج العراق وسوريا، أملاً في إضعافها ودفعها إلى ترك الساحة هناك أو تقديم تنازلات تتيح لإيران تحقيق جانب من أهدافها وتحقيق انتصارات تعزز من وجودها وتشعرها أنها المتحكم في كل المسألة. هنا تتضح أسباب إصرار إيران على إثارة موضوع الحجاج مع الشقيقة الكبرى، ومحاولة فرض شروطها التعجيزية، والسعي إلى تشويه سمعة المملكة العربية السعودية، وهنا تتضح أسباب كل جديد تحاول إيران ممارسته في المنطقة والذي منه دعم «حزب الله» في لبنان ودعم الحوثيين في اليمن.
إيران هي من تستحق اليوم أن يطلق عليها اسم «الشيطان الأكبر»، فهي تسعى بقوة إلى الاستفادة من التغير الذي حصل في العلاقة بينها وبين الشيطان الأكبر سابقاً «الولايات المتحدة» والغرب بسبب الاتفاق على ملفها النووي. ما يجري حالياً في العراق وسوريا ويجري في لبنان واليمن أيضاً يكشف جانباً مما لم يتم الإعلان عنه في ذلك الاتفاق الذي اهتمت إيران والغرب حينها بالقول إنه لم يتضمن بنوداً سرية.
ما يجري في العراق وسوريا حالياً وما تقوم به إيران من عمل وصل إلى حد عدم التردد في الإعلان عن وجود جنود إيرانيين يحاربون في الميدان يؤكد أن إيران تستفيد من تنازلات قدمتها للولايات المتحدة والغرب في ذلك الاتفاق، ومن مكاسب حققتها بسببه. لولا هذا لما تمكنت إيران من التحرك بهذا الوضوح، ولما تمكنت «سرايا الخراساني» و»الحشد الشعبي» من الجهر بقراءة سورة «الكافرون» وهم يقصفون الفلوجة.