يعتبر التقاعد عن العمل هو المرحلة الأخرى والنهائية مما تبقى من حياة الإنسان، تلكم الحياة التي تبدأ بشكل مغاير عما كانت عليه في السابق، فالموظف أو العامل يطوي صفحة من العناء المشرف ليبدأ حياة مليئة بالراحة والمتعة وتكريس الكثير مما كان يحبه ويهواه لكنه لم يستطع أن يقوم به أثناء حياته العملية حتى تأجلت كل هذه الهويات والرغبات لما بعد التقاعد، واليوم جاء وقت الاستمتاع والانطلاق.
أما بالنسبة للدولة، فإن التقاعد وإن كان يستهلك بعض ميزانيتها المستمرة بشكل متدحرج وغير ثابت حسب الظروف الاقتصادية التي تعيشها وتمر بها، لكنها في ذات الوقت تعتقد أن سن التقاعد حتمية ضرورية لتغيير عقلية الإدارة والعمل، وكسر للجمود والروتين، إضافة أن من أبرز سمات ما بعد التقاعد التي تصب في صالح الدولة هو أنها تستطيع أن تضخ دماء جديدة في القطاعين العام والخاص، ومن جهة أخرى فإنها قادرة على معالجة قضايا البطالة بشكل سلس.
اليوم وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة وعموم دول العالم، سيكون من الصعب في نظر الحكومة أن تفكر بذات الطريقة التي طرحناها قبل قليل، وأن يأخذ مسار عملية التقاعد طريقه الطبيعي، بل يجب الاعتراف بالمنحدرات والمطبات التي تواجه هذا الفعل لأسباب قاهرة.
بسبب المخاوف المحتملة من تغيير قوانين التقاعد والتي تبدو متجهة نحو التعقيد وإلغاء الكثير من الامتيازات الحالية للتقاعد بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة والكثير من المؤسسات الأهلية بدأ الموظف البحريني بالهرولة سريعاً نحو بوابة التقاعد، طلباً للرحيل من العمل نحو حياة أخرى، بل هناك الكثير منهم من آثروا التضحية ببعض التنازلات المادية، مقابل أن يتقاعدوا مهما كان الثمن لديهم غالياً، وذلك خوفاً من المستقبل المجهول، مما سيشكل هذا الأمر عبئا ثقيلاً وجديداً على ميزانية الدولة والذي ربما يدخلها في حسابات معقدة أخرى لا تريد أن تدخلها.
لكن ما هو متفق عليه هو ضرورة أن يتحسن أداء العمل في القطاعين – العام والخاص – لزيادة إنتاجية الدولة من العمل بشكل عام، إضافة لجودته المحتملة، وهذا الأمر يتطلب أن تضخ جهات الأعمال كلها دون استثناء بالدماء الشابة في قطاع الأعمال والوظائف المختلفة خلفاً للجيل الذي لا يستطيع أن يعمل بذات الرتم السابق ممن أعطوا كل ما يملكونه لهذا الوطن، ولهذا وجب تكريمهم عبر عملية «تقاعد» منصفة، ومن جهة أخرى ربما تقدم الدولة حلولاً قوية ومريحة فيما يتعلق بالقضاء على العطالة التي ترتفع بشكل مرعب في حال أسست لقوانين جديدة قد تطيل من أمد عمر المتقاعدين، مما يعني أننا سنعود للمربع الأخطر، وهو أن يتلاشى وهج العمل وجودته فيصيبه الركود والشلل، ومن جهة أخرى ستصطدم الدولة بزيادة أعداد الباحثين عن العمل. المسألة معقدة للغاية في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وعلى الدولة هنا أن تختار المستقبل وإن كان مكلفاً بعض الشيء.