كما في العام الماضي وبعض الأعوام السابقة له يعلن مبكراً ما يسمى بـ «ائتلاف فبراير» عن خططه الرامية إلى تكدير صفو الصائمين وإزعاج المواطنين والمقيمين تحت ذرائع مختلفة، فتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والفضائيات السوسة بالدعوات الرامية إلى شحن العامة واستغلال شهر الله وتوظيفه لخدمة أهدافه التخريبية، وهو ما ينبغي أن تتخذ منه الجمعيات السياسية «المعارضة» موقفاً واضحاً خصوصاً في رمضان هذا العام الذي سبقته دعوات ومبادرات ترمي إلى التهدئة وإصلاح ذات البين.
واقعاً لا يمكن توجيه اللوم لهذه المجموعة التي تتخذ لنفسها هذا الاسم لأنها بعيدة عن العمل السياسي، ويدفعها فقر خبرتها إلى الاعتقاد بأن ما تقوم به من أعمال تخريب وإيذاء يمكن أن يوصلها إلى ما تريد، لكن اللوم، كل اللوم، يقع على تلك الجمعيات لسكوتها عن هذا الذي تقوم به هذه المجموعة رغم أنها المتضرر الأكبر منها، فما تمارسه هذه المجموعة يؤثر سلباً على العمل السياسي الذي يفترض أن تقوم به الجمعيات السياسية خصوصاً في الشهر الكريم.
لم يعد مقبولا القول إن أولئك لا يسمعون الكلام أو أنهم مجرد مجموعة من المراهقين الذين لا يدركون ما يقومون به، ولم يعد مقبولاً السكوت عنهم وصار لابد – إن أرادت الجمعيات السياسية أن يكون لها دوراً فاعلاً وإيجابياً في حل المشكلة – أن تتخذ موقفاً واضحاً وقوياً منهم، ومن كل من يريد أن يعالج المشكلة على هواه، فالعمل السياسي لا يستوعب مثل هذا النوع من الأفراد والجماعات ولا هذا النوع من الممارسات السالبة والمعيقة لكل تحرك جاد.
مسؤولية مواجهة هذه المجموعة وغيرها من المجموعات التي أقحمت نفسها في عالم السياسة عنوة تقع على عاتق الجمعيات السياسية وخصوصاً جمعية «الوفاق» قبل أن تقع على عاتق الحكومة، وواقع الحال يوجب أن تتعاون هذه الجمعيات وخصوصاً «الوفاق» مع الحكومة ليصير الطريق سالكاً ويسهل تداول ومناقشة الأمور بطريقة يمكن أن توصل إلى نهاية ترضي الجميع.
ليس معقولا ترك هذه المجموعات «تخيط وتبيط» على هواها، فما تقوم به لا ينتج مفيداً ولا يمكن أن يحقق غير مزيد من التعقيد للمشكلة، ويعيق أي عمل يمكن أن تقوم به الجمعيات السياسية. إن اختطاف شارع واحد في شهر رمضان المبارك يمكن أن يهدم كل ثقة في الجمعيات السياسية كانت قد عملت على بنائها في شهور، وتعطيل حياة الناس في الشهر الكريم ولو لدقائق لا ينتج عنه إلا المزيد من الفرقة وتعميق الجراح. لا قيمة لكل ما تم الإعلان عنه من أنشطة سيمارسها المنتمون إلى تلك المجموعة في ليل رمضان أو نهاره، ومن يريد أن يصل إلى حل للمشكلة التي تضرر منها الجميع لا يقول إنه «سيعلق الحراك» في اليوم الأول من شهر رمضان فقط، فمن يحترم اليوم الأول منه ينبغي أن يحترم بقية أيامه، ومن يراعي الصائمين في اليوم الأول منه يراعيهم في بقية أيامه، فما تم الإعلان عنه يؤكد أن من قرر ويريد أن ينفذ ما قرره ليس إلا مجموعة من المراهقين الذين لا يدركون أن ما يقومون به يؤذي الصائمين وليس الحكومة.
إن عبارة «وأهاب بالشباب للتأهب والاستعداد للمشاركة في الفعاليات الميدانية السرية» التي اختتم بها واحد من تلك البيانات الشاحنة التي انتشرت مؤخراً تكفي لمطالبة الجمعيات السياسية باتخاذ موقف صارم من هذا الذي يحدث ويسيء إليها، حيث استمرار سكوتها وعدم الإعلان بشكل واضح وقوي عن رفضها لهذا الذي يقوم به ما يسمى بـ «ائتلاف فبراير» يجعل الآخرين يعتقدون أنها جزء من هذه الممارسات المراهقة أو أنها داعمة لها ولمن يقف وراءها.