في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة في المنطقة، وتحت ضغط هواجس هبوط أسعار النفط وتدنياتها لمستويات مرعبة، يكون من الضروري أن تتجه دول الخليج العربي لقضايا اقتصادية بديلة في غاية الأهمية بحيث تشكل رافداً من روافد الاقتصاد الوطني لكل دولة، فصراخنا من زمن طويل كان يتكتل في خاصية واحدة واضحة، وهي أن عليكم بموارد أخرى غير النفط تحسباً لزمن الأزمات المالية، لكن وللأسف الشديد لم يكن أحد يحب أن يسمع صوتنا الذي يريد أن يخرج الدول من النفط إلى النور!
حين نتكلم عن النفط والاقتصاد وعالم الأموال لا يمكن أن نتجاهل أهمية «المشاريع الاستثمارية» التي قد تسهم في تحريك مرحلة ما بعد الانهيارات الاقتصادية، وذلك حين نضعها على أولويات خيارتنا الاقتصادية، وسواء صغرت تلكم الاستثمارات أو كبرت ستظل هي الرافد الآمن من حيث العطاء وتعزيز فرص الاقتصاد الوطني.
في البحرين، يجب أن تتغير عقلية إدارة الاستثمارات بشكلٍ شبه كامل، وأن تُلغى الكثير من المحددات والمعوقات والعقبات في وجه المستثمرين –الكبار منهم خصوصاً-، إذ من المعيب أن يأتي المستثمر إلى البحرين ومعه عشرات إن لم يكن مئات الملايين من الدنانير من أجل أن يستثمر في هذا الوطن بشكل مريح فيجد أنه مازالت بعض الجهات الرسمية تطلب منه أن يهرول خلف الحركة البيروقراطية لاستخراج بعض الأمور المتعلقة باستثماره ليتم بعد ذلك معطلاً ومعلَّقاً لفترات طويلة جداً فيصيبه الإحباط منذ بداية مغامرته الاستثمارية هنا، مما يجعله ينكفىء على أن يخرج لفضاءات استثمارية أخرى خارج الوطن قد تكون أكثر سلاسة مما نحن عليه، وهذا الذي كنت أعنيه حين تحدثت قبل قليل عن أهمية تغيير الفكر الاستثماري في البحرين.
لا يمكن أن تتعطل أوراق المستثمرين الكبار مهما بلغ حجم استثماراتهم أكثر من أسبوع واحد، كما يجب أن تلغى من نواميس وقواميس الجهات المختصة مسألة وجود «فورمات أو استمارات» يقوم بملء خاناتها مستثمر يفكر بالملايين. يجب أن تلغى كل «الفورمات» والأوراق والأسئلة التافهة من معاملات المستثمرين. يجب أن تتمتع أنظمتنا الخاصة بقضايا الاستثمار بالحيوية الاقتصادية وليس بالتعقيدات والتطفيشات، بل يجب أن تتشكل فرق خاصة من الموظفين تكون من أبرز مهامها تطويع القوانين والأنظمة الخاصة بالاستثمار الإجنبي الضخم – تحديداً – وتسهيل كل العمليات في وجوه المستثمرين، حتى لو تطلب هذا الأمر أن تقوم هذه الفرق بعملية الاستثمار بنفسها وليس أن يقوم بها المستثمر، حتى نثبت لكل المستثمرين أننا مع كل أشكال الاستثمار الخارجي داخل الوطن.
نحن لا تريد أن نغالي أكثر فنقول أن كل الإجراءات التي تتعلق بالاستثمار معقدة، كما يجب الإشادة بالبيئة الآمنة للاستثمار في البحرين، حيث إن المنامة مازالت تعتبر من أكثر البيئات أمناً من حيث تداول المال وحركة الأموال وأسواقها بشهادة الجميع، حيث إن الاستثمارات في البحرين محمية بدرجة كبيرة ومتطورة، لكن ما كنَّا نود الحديث عنه هنا، هو تسهيل عملية الإجراءات في مواضيع الاستثمار بكل صورها وتحطيم الصورة النمطية للأوراق والاستمارات والكثير من التعقيدات التي لو تمت معالجتها لكنَّا من أفضل دول العالم من حيث الاستثمار المحلي والخارجي، فعيوننا على اقتصاد الوطن في زمن ما بعد النفط، وهذا هو هاجسنا الكبير.