لله عز وجل مواسم خير، العاقل من لا يفرط فيها، ويتزود منها قدر استطاعته، والاستطاعة أحياناً لا يعطيها الناس حقها في دلالتها، ويفهمونها على خلاف المراد منها، ويحلسون دلالتها في الحد الأدنى، فعلى سبيل المثال يقول تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...» (الأنفال 60). الاستطاعة هنا ليست أدنى القدرة بل أعلاها، فلو كان بالإمكان إعداد ما يوازي 10 وتم التراخي وأعد 5 فإننا لم نعد ما نستطيع. ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه المأثور: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت». فالاستطاعة هنا مبلغ القدرة، وجهد الصادق، لا أدنى المبذول من الجهد، و يدور في نفس الإطار قوله تعالى: «إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم* فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا و أنفقوا خيرا لأنفسكم و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» (التغابن 15- 16).
لذا لنتأمل هذا الموسم ونشد المئزر ونأخذ منه ما استطعنا من الأجر والمثوبة الأخروية، ومن المعاني التي تسكب الراحة والطمأنينة في القلوب في زمن التوتر والاضطراب النفسي و العقلي، في زمن الهرج والمرج، ففي الحديث الشريف قال عليه الصلاة والسلام: «أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، و يستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل» رواه الطبراني ورجاله ثقاة.
هو شهر أعاننا الله فيه فقلل علينا جبهات الصدّ والإغواء و الإغراء، فصفدت الشياطين كما بيّن في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النار، و صفّدت الشياطين، ونادى مناد من قبل الحق تبارك وتعالى: يا باغي الشر أقصر، ويا باغي الخير أقبل» متفق عليه. فالشياطين صفدت، وبقي أن تتغلب على نفسك الأمارة بالسوء لأن النفس ترافق الإنسان دوما ولا يردعها إلا تقوى الله تعالى، فتحقق بالتقوى لتقوى على نفسك الأمارة بالسوء، وتجعلها لوامة، وتنتقل بها إلى النفس المطمئنة الراضية المرضية التي مآلها جنان الخلد.