الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب ونصرة المستضعفين وغيرها من هذه الشعارات لا يوجد مسلم إلا ويؤيدها ويدعو من الله تعالى أن يتم تجسيدها في الواقع، إلا أن نظام «ولاية الفقيه» عمل منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف على ترديدها والادعاء بأنه ملتزم بتحقيقها ويجاهد بكل طاقاته من أجلها، ولابد هنا من الإشارة إلى أن قطاعاً كبيراً من الشارعين العربي والإسلامي قد انبهروا بهذه الشعارات وصدقوها، لكن بمرور الأعوام، وما قام ويقوم به هذا النظام في العالمين العربي والإسلامي من تصرفات وممارسات مشبوهة أكدت خلاف ذلك تماماً.
الأمة الإسلامية التي حباها الله تعالى بالكثير من المناسبات والأمور التي تجمع شملها وتوحد صفها وكلمتها، وهي في الواقع من نعمه عز وجل التي لابد من الحمد والثناء عليها، والملاحظ أن معظم الدول الإسلامية ما عدا نظام «ولاية الفقيه»، تعمل كل ما بوسعها من أجل إظهار تمسكها بوحدة الكلمة والصف ولاسيما في المناسبات المختلفة نظير موسم الحج وشهر رمضان والأعياد الإسلامية..إلخ، وبطبيعة الحال فإن ما تعمل من أجله هذه الدول الإسلامية إنما يعكس في الحقيقة التزامها بالإسلام وقيمه الحقيقية وعدم استعدادها للتخلي عنها.
نظام «ولاية الفقيه» لم يصدع له رؤوس المسلمين فقط، وإنما رؤوس العالم بأكمله بشعاراته البراقة بخصوص التزامه بالوحدة الإسلامية والدفاع عن الأمة الإسلامية ومصالحها، لكنه وعندما ننظر إلى ما يقوم به ويفعله في الواقع نجده خلاف ذلك تماماً، وهناك الكثير من الأمثلة الحية التي تؤكد ذلك حيث إنه وقبل فترة وجيزة، قرر منع ذهاب الإيرانيين لأداء فريضة الحج في سابقة شاذة وفريدة من نوعها، وقد جاء هذا القرار السياسي الصرف بعد أعوام طويلة من السعي المكشوف من أجل تسييس الحج من خلال بدعة «مراسيم البراءة والحج السياسي»، والتي تسببت كل عام بإيجاد الفوضى والمشاكل في مواسم الحج وحتى حدوث المواجهات وسقوط قتلى في وقت نرى فيه أن موسم الحج قد جعله الله تعالى من أجل وحدة المسلمين والتقارب والتآلف بينهم والتوجه لله تعالى وحده دون غيره، بمعنى أن الحج قضية عبادية صرفة لا علاقة لها بالسياسة أبداً كما عمل ويعمل نظام «ولاية الفقيه» من أجل ذلك.
مقاطعة الحج هذه السنة من جانب إيران تعتبر تصرفاً خاطئاً وخروجاً على إجماع الأمة الإسلامية وشقاً لصفها، ولم يكن كافياً لها حتى جاء دور رؤية هلال شهر رمضان المبارك حيث أصرت مرة أخرى وبصورة صلفة على مخالفة إجماع المسلمين في العالم والذين رأوا هلال شهر رمضان غروب يوم الأحد وعليه أعلن أن الإثنين هو أول أيام شهر رمضان فخرج من يهدف إلى التفرقة وعن إجماع المسلمين، فنظام «ولاية الفقيه» لأنه أراد ويريد دائماً أن يضلل الأمة ويفرقها لتفطر في يوم صيامها وتصوم في عيدها أي وقت فطرها، نعم، نظام «ولاية الفقيه» في إيران انكشف وبان على حقيقته يريد تشويه إسلامنا وتفرقة وحدتنا ومخالفة ربنا.
العبرة ليست في الشعارات ولا في الخطب الرنانة ولا في الكلام المعسول الذي تردده وسائل الإعلام الإيرانية ليل نهار من أجل خداع وتضليل المسلمين وتزييف الحقائق وقلبها، وإنما العبرة الأساسية دائماً هي في الأعمال وليست في الأقوال، ولطالما أثبتت الأحداث ومجريات الأمور بأن نظام «ولاية الفقيه» كان دائماً يمارس الكذب والتضليل بكل وضوح، وأن أولئك المنخدعين والمضللين الذين يلهثون خلف هذا النظام ظناً منهم بأنه يدافع عن الإسلام ووحدة المسلمين ويقف بوجه أعداء الإسلام، جاء الوقت الذي عليهم فيه أن يرفعوا عن أعينهم هذه الغشاوة ويعودوا إلى صوابهم ويروا هذا النظام على حقيقته.
ونحن نستقبل شهر رمضان المبارك وندخل في ضيافة الرحمن، علينا ألا ننسى أبداً ما يتعرض له إخواننا في العراق وسوريا واليمن وليبيا من مصائب ومآسٍ دامية بسبب تدخلات هذا النظام تحت ستار الدين والطائفة، وكيف أنه قد جعل هذه البلدان تغوص في بحار من الدماء، وأن مقاطعته للحج وكذلك خروجه على إجماع الأمة في رؤية هلال شهر رمضان، يجب أن يكون كافياً لمعرفته من قبل المسلمين وتحديده على أنه نظام معاد للإسلام والمسلمين على حد سواء، وإننا ندعو كل المخدوعين والمضللين في أمتنا وخاصة إخواننا من الشيعة العرب، بأن ينظروا إلى أفعال قادة نظام «ولاية الفقيه» في إيران وليس إلى أقوالهم حتى يتأكدوا من أن ما يدعون إليه هو في الواقع سعي وجهد في سبيل غش الناس وتضليلها وتفريقها وضرورة إعلان البراءة منه ومن نهجه وممارساته وكل ما يدعو إليه.
* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان