الحمد لله رب العالمين الذي بلغنا شهر رمضان، شهر التراحم والتكافل والوقوف مع النفس. اقتضت حكمة الله عزوجل تفضيل بعض الناس على بعض، وبعض الأماكن على بعض وبعض الشهور على بعض، ومن هذه الأشهر التي فضلها ربنا تعالى شهر رمضان. فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، قال تعالى «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان»، «سورة البقرة: آية 185».
لكل فريضة حكمة، وحكمة الصيام لا تتمثل في الحرمان من الأكل والشرب بل هي تأديب للنفس وخشوع لله وخضوع، فظاهرها العطش والجوع وباطنها الرحمة، واستثارة الشفقة والحض على الصدقة وكسر التكبر، وتعليم الصبر والتذكير بالفقراء والمساكين والمحرومين والكادحين، ولو تبصر به خلق الله لعرفوا أن رمضان مدرسة حقوق الإنسان في التراحم والتكافل.
حقوق الإنسان في رمضان
لقد اعتمدت الأمم المتحدة يوماً لكل عنوان يعنى بحقوق الإنسان! يحتفل به العالم وتقيم له الندوات والأنشطة والتقارير والكلمات وينتهي بانتهاء هذا اليوم، أما رمضان فهو شهر تتجسد فيه جميع الحقوق والواجبات الشرعية والإنسانية، ففي شهر رمضان الكل سواسية، الغني والفقير والعربي والأعجمي، المدير والعامل، كبير السن والشاب والرئيس والمرؤوس، كلهم يجمعهم العطش والجوع، ويمسكون ويفطرون دون تفاضل فيما بينهم أو تمايز إلا بعذر شرعي، وهنا تتحقق العدالة الاجتماعية الربانية.
عدم التمييز: ليس هناك تمييز على أساس طبقي أو عرقي أو جنسي إلا على أساس التقوى وعمل الصالحات والتكافل بين المقتدرين ومن هم بحاجة المساعدة.
تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء: في رمضان تحصل المشقة للأغنياء، الذين تعودوا على رغد العيش بامتناعهم عن الأكل والشرب مما يذكرهم بنعمة الله عليهم، ومنهم من يدرك ما يعانيه الفقير من جوع طوال أيام السنة في أيام معدودة.
تغير مفاهيم الفقراء: في هذا الشهر يدرك الفقراء أن الأغنياء هم إخوانهم بما فضل ربنا تعالى عليهم من نعمة، وذلك بوقوف الأغنياء مع الفقراء في هذا الشهر الفضيل بتقديم الصدقة وتتبعها الزكاة مما يكرس ويعزز مفاهيم التكافل والتراحم.
حقوق العمال والموظفين: في شهر رمضان فرصة ينظر المسؤول وبعد حضوره للمكتب، ما يقوم به العمال من جهد في سبيل إتمام العمل رغم صيامهم ورواتبهم المتواضعة حرص منهم على أن يحافظوا على لقمة عيشهم والإخلاص في عملهم مراعاة وخوفاً من الله عز وجل، وهنا تتجلى الحكمة الربانية بالنظر إلى هذه الشريحة من العمال ومراعاتهم.
الخلاصة
تتجلى فوائد شهر رمضان الذي أكرمنا به ربنا تعالى في عدة فوائد منها تطهير قلوبنا وصفاء ضمائرنا والقرب من خالقنا ومراجعة النفس والتقوى، قال تعالى «يا أيها الذِين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لِغد واتقوا الله إِن الله خبِير بِما تعملون»، «سورة الحشر: آية 18». أما الفوائد الاجتماعية فهي تعزيز العدل والمساوة فيما بيننا وصون المجتمع من الشرور والمسارعة إلى الإحسان وتنمية روابط الألفة والإحساس بالفقراء، ومن الفوائد الصحية تطهير الأمعاء وإصلاح المعدة وتنظيف البدن من الفضلات والرواسب وتخفيف السمنة.
إن الالتزام لنا جميعاً نابع من طاعة الله، والإخلاص بالعمل لأن عمل الإنسان ملكه وقراراته ملكه ومسعاه ملكه، لذلك عليه أن يكون على قدر هذه الصلاحيات التي تعود ملكيتها له، وليكن شهر رمضان امتداداً لعمل الصالحات والتكافل والتراحم فيما بين الغني والفقير والمدير والعامل والموظف والرئيس والمرؤوس، إن تلك القيم والمبادئ السمحاء جاءت لتعزز حقوق الإنسان وتسمو بالمجتمعات.