أمر إيجابي ما يقوم به قسم متابعة الشؤون البرلمانية في صحيفة «الوطن» هذه الأيام، من نشر بيانات مفصلة معنية بأداء النواب في دور الانعقاد الثاني، وهو أمر يدخل في إطار الخدمات التي تقدمها الصحافة للناس.
عزيزي القارئ، عزيزي المواطن، ليكن دائماً حاضراً في ذهنك، أن الأرقام والإحصائيات وبالأخص الموثقة والدقيقة منها، هي أبلغ وسيلة وأصدق طريقة للحكم على أي عمل كان، لا تنخدع بالصراخ، ولا الكلام المرسل، ولا «الشو» البلاغي في الإعلام، فقط الأرقام هي التي تجعلك تحكم بشكل صحيح.
مشكلتنا مع عديد من نواب البرلمان الحالي، إلا من رحم ربي منهم بالطبع، أنهم تعاملوا «بندية» مع الناس، أكثر من التي تعامل بها النواب السابقون الذين تعاقبوا على كراسي المجلس. للأسف بعضهم جعل الناس له خصماً، والمؤسف أكثر بأن بعض النواب حول الخصومة إلى داخل المجلس، فأصبحنا نرى عراكاً وتلاسناً وصل لقبيح الكلام بين النواب أنفسهم، وصلنا لمرحلة رفع القضايا بين النواب بعضهم البعض.
ورغم إدراك النواب، وأعني إدراك كثير منهم، بأن الناس ليسوا راضين عن أدائهم، إلا أن البعض مازال يكابر ويرفض الإقرار بأن نسبة الأداء والفاعلية تراجعت كثيراً هذه المرة، والدليل يملكه النواب أنفسهم، وأعني به نسبة الاستياء والتحلطم والانتقاد التي صدرت عن الناس، والتي بعضها تجاوز أعراف الانتقاد ووصل للشتم والإساءة، ما دفع النواب لرفع قضايا على الناس، والحمد لله أن بعضها قضايا حسم القضاء الأمر فيها بأنها لا ترتقي لتكون قضية يعاقب عليها.
لكن الشاهد فيما نقول، بأنك إن نذرت نفسك للعمل من أجل الناس، عليك أولاً أن تبني عملك على ما يطالب به الناس، وما يأملونه منك، وثانياً وهو أيضاً أمر مهم، أن تتقبل من الناس نقدهم قبل مدحهم، فالنقد إن صدر فهذا يعني أن التقصير موجود، وأنا شخصياً دائماً أقول وطوال سنوات عديدة منذ عادت الحياة النيابية للبحرين في 2002، بأننا لو حصرنا الوعود والشعارات الانتخابية التي قدمها النواب الموجودون على الكراسي خلال حملاتهم الانتخابية، وقارناها بما حققوه منها وهم نواب، فإننا سنفاجأ بحجم «الإخلال» بالوعود، وأن بعضاً منها «تبخر»، وبعضاً منها تم «النكوص» عن السعي لتحقيقه، الأمر الذي يخولني كناخب بأن أقول وبملء فمي بأن النائب «كذب» علي في شعاراته، بالتالي هو «كذاب»، وهنا لن أحاكم أصلاً، لأن لدي الإثباتات الموثقة بالأرقام والشواهد، ولدي الوعود والشعارات ومقابلها لا يوجد أي إنجاز أو تطبيق.
أقولها دائماً حينما أرى أي حالة «هستيرية» لنائب، توصله لمرحلة «التفلسف» على الناس، أو التكبر عليهم، وهم الذين أوصلوه بأصواتهم لهذا الكرسي، أقول بأن «عيب» عليك، ما تفعله حالة من استغلال البشر، وكأنها تقارب عملية «الاتجار بهم»، بيد أنها عملية «سرقة أصواتهم» بالأصح، ومن خلال الوعود والشعارات التي سرعان ما يتم تناسيها أو التخلي عنها.
أكتب هذه المقدمة، لأنبه المواطن لضرورة التمعن في الأرقام، وخلال الأيام الماضية قدمت لكم الصحيفة «سجلاً شاملاً» للأرقام النيابية التي بتحليلها ينكشف لدينا مستوى الأداء النيابي، ويمكننا معرفة حجم الإنجاز.
فقط في عدد أمس، هناك أرقام تجعلنا والله نغضب، والله قرأتها ورددت بأن «اللهم إني صائم»، إذ هي تكشف وللأسف وجود «استهتار» واضح بالمسؤولية، ووجود حالات لعدم التزام لا يمكن القبول بأن تصدر من نائب «نذر نفسه لخدمة الشعب»، والله لو هذه الأمور صدرت من وزير معين من الدولة، لأجلس في بيته لأنه يثبت وبالأرقام أنه ليس مؤهلاً لحمل مسؤولية البشر.
تخيلوا أنه خلال دور الانعقاد الثاني سجلت 185 حالة غياب، وبغض النظر إن كانت بعذر أو لا، أنا كمواطن لم انتخب نائباً حتى لا يحضر الجلسات الواحدة تلو الأخرى فقط لأن لديه عذراً طبياً أو غيره، إذ أقولها بأن غير القادر على الالتزام و»مجابل» الناس، عليه ألا «يضرب صدره» ويقول أنا نائبكم.
هناك 358 حالة تأخير عن الجلسات، و134 حالة انصراف دون عذر، و125 انصرافاً أثناء انعقاد الجلسة بعذر، والمصيبة أن هناك خمس جلسات لم يكتمل فيها عقد النصاب. وجوهرة التاج في عرش الأرقام هذه، هو سقوط 69 سؤالاً نيابياً في دور الانعقاد الثاني، ما تصل نسبته إلى 43% من الأسئلة!!
عموماً الفكرة فيما نقول، أنك يا مواطن حينما تقيم أداء نائبك، لا تحكم على مستوى ارتفاع صوته، ولا على صراخه في الجلسات، ولا على «الشو الإعلامي» الذي بات واضحاً أن بعض النواب يتقنونه بشكل رائع، وبأسلوب «نصارخ على الوزير، ونقول علشان الناس، ووقت التصويت الأخ ليس في القاعة»، بل عليك يا مواطن أن تحسبها بالأرقام والإنجازات، وضع أمامك شعارات النائب ووعوده لك من أجل الحصول على صوتك، احسبها مثلما تحسب مستوى أبنائك في الدراسة عبر متابعة درجاتهم في الاختبارات وأعمال السنة.
إن كنت سأحكم على الصراخ، سأقول بأن لدينا برلماناً «صوته عالٍ جداً يصم الآذان»، لكن إن كنت سأحكم بالأرقام وعلى الأداء، سيكون الوصف موجعاً جداً.