على الرغم من تمتع العقد الإداري بخصائص ذاتية تميزه من أوجه عديدة عن العقد المدني، إلا أن هذا لا يتعارض إطلاقاً مع ما يتمتع به العقد الإداري من قوة ملزمة بصفته عقداً رضائياً يستند إلى توافق الإرادتين في المقام الأول، ومن ناحية أخرى فإنه ولئن كانت الإدارة تتمتع بسلطات في مواجهة المتعاقد معها، إلا أن سلطاتها هذه ليست مطلقة بل محدودة بضوابط معينة وتمارسها بقصد تحقيق الصالح العام، كما أنها طرف في عقد ملزم للجانبين يولد في ذمتها التزامات معينة، يتوجب عليها الالتزام بها.
وإذا كان ما سبق يمثل دور الرضائية في إبرام العقد الإداري، فإن النية المشتركة للمتعاقدين هي أساس تحديد الالتزامات المتقابلة لهما وحقوقهما الناشئة عن العقد الإداري.
حيث إنه على الرغم من الخصائص الذاتية للعقد الإداري التي يتميز بها عن العقد المدني، وما يحكم كل منها من قوانين وأنظمة ومبادئ مستقرة، إلا أن ذلك لا يؤدي إلى إهدار فكرة الرضائية في العقد الإداري، تلك الرضائية التي تعبر عن مدى احترام الدور الذي تؤديه إرادة الطرفين معاً في تنفيذ العقد الإداري بوصفه عقداً رضائياً يستند إلى توافق الإرادتين في المقام الأول.
وأخيراً فإن ما يتمتع به العقد الإداري من خصائص ذاتية تميزه في عدة صور عن العقد المدني، لا يتعارض تماماً مع فكرة الرضائية التي تعد جوهر الرابطة العقدية في مجال العقود الإدارية، ذلك أن الرضائية تؤدي دورها كاملاً خارج النطاق الذي تستلزمه الخصائص الذاتية للعقد الإداري.
وفي جميع الأحوال فإن الأسس التي تحكم حقوق المتعاقد مع الإدارة تتمثل في الرضائية والقوة الملزمة للعقد الإداري. فالمتعاقد مع الإدارة يستمد حقوقه أساساً من العقد الإداري، في حين أن الإدارة تستمد حقوقها وسلطاتها من فكرة النفع العام في المقام الأول.
وتحقيقاً للمصلحة العامة، فإن العلاقة بين طرفي العقد الإداري هي علاقة تعاضد وتساند وتعاون لتنفيذ العقد على أحسن وجه وبما ينبغي أن يتوافر في الطرفين من أمانة وثقة واحترام ووفاء بالالتزامات التي يقررها العقد المبرم بينهما.
وفي ذات الوقت، فإن المتعاقد مع الإدارة اليوم لم يعد ذلك الشخص الذي يحرص على تحقيق مصالحه الفردية فقط -دون اكتراثه بما قد يسببه التنفيذ السيئ للأعمال من آثار سلبية على الدولة- بل أصبح المتعاقد في عصرنا الحاضر يهدف -كجهة الإدارة- إلى تحقيق النفع العام الذي تسعى إليه الدولة من تعاقدها وفي ذات الوقت يحرص على تحقيق مصلحته الخاصة. لذلك نجده يسعى بكل السبل إلى تنفيذ الأعمال محل العقد بكل دقة وكمال وحسن نية حتى تتحقق الأهداف المشتركة بينه وبين الدولة، ناهيك عن حرصه على مخافة اتساع وانتشار وسمعة شركته أو مؤسسته داخلياً وخارجياً.
ومن هذا المنطلق فإن دور المتعاقد مع الإدارة في تنفيذ العقد الإداري هو دور جوهري يساعد الإدارة على تسيير مرافقها العامة، ومن أجل ذلك يبذل أقصى جهد ممكن في سبيل الوفاء بالتزاماته التعاقدية لضمان سير المرفق العام بانتظام وباطراد، وهذا الذي من أجله أبرم العقد.
وعلى المتعاقد في هذه الحالة بذل قدر غير عادي من الحرص والعناية، وإن كان هذا لا يكون على حساب حقوقه المستمدة من ذلك العقد. بل على العكس، فإذا ما نظرنا إلى المتعاقد مع الإدارة كونه معاوناً ومعاضداً للإدارة، فإننا نسمح في هذه الحالة إلى تضييق المساحة والهوة بينه وبين جهة الإدارة، مادام أن هدف العقد تحقيق الصالح العام، وإن كلاً من طرفي العقد يلتزم بالالتزامات لتحقيق هذا الهدف، فلاشك أن النظرة إلى المتعاقد مع الإدارة على أنه متعاون معها ستساهم بقوة في الاعتراف بالضمانات المقررة له وإبرازها وتطورها، والقول بغير ذلك قد يؤدي إلى عزوف الأشخاص عن التعاقد مع جهة الإدارة، وما سيؤدي حتماً إلى الإضرار بشكل أو بآخر بالمصلحة العامة.