يقول النائب الأول لرئيس مجلس النواب الأخ علي العرادي في تصريح صحافي له بالأمس ما معناه أن الإجازة البرلمانية يفترض أن تساعد النواب على رصد ومتابعة ردود فعل الناس، وطبعاً تقييم أدائهم من خلال ما يعبر عنه الناخبون، مشيراً إلى المجالس الرمضانية وأهميتها.
أمضي لأتفق تماماً مع النائب العرادي، فإحدى المشاكل التي يعانيها الناخب البحريني تتمثل في «تبخر» النائب من أمامه فور إعلان نتيجة الانتخابات، أو على التقدير الأكثر، حينما يواجه النائب أول اختبار صعب، يضعه بين خيارين، إما أن يكون مع الناس الذين وعدهم بالمواقف والأفعال والأقوال، أو أن يحني رأسه للعاصفة، ويقبل بتفوق الجهة التي تمثل السلطة التنفيذية، في هذا الملف أو ذاك.
بالتالي، عملية معرفة رأي الناس، وتسجيل انطباعاتهم، والوقوف على تقييمهم للنواب، مسألة غائبة تماماً، بل سقطت منذ زمن بعيد من أجندة «غالبية النواب».
للأسف كثير من نوابنا اليوم لا يريد سماع رأي الناس فيه، لأنه أصلاً لا يستحمل رأيهم، وكثير من نوابنا يتجنبون الناس أصلاً، خاصة من النواب الذين أعطوا الناخبين وعوداً لا يحققها حتى «سوبرمان» نفسه بقواه غير الطبيعية.
وعليه، هل يمكننا أن نقتنع بوجود نواب يقولون للمواطنين بأن قيمونا، وانتقدونا، وأشيروا لنقاط ضعفنا، وبما معناه إجمالاً «انتقدونا»؟!
والله أشك، خاصة وأننا شهدنا هذا في دور الانعقاد الماضي، حالات كشفت تبايناً في سعة صدر النواب بشأن الانتقادات الموجهة لهم، بل خلطاً واضحاً بين الشتم والتطاول المرفوض وبين النقد المباح.
اليوم حينما يقول النائب الأول لرئيس مجلس النواب إنه يجب استغلال الإجازة البرلمانية ليعرف النواب رأي الناس فيهم، عبر مد الجسور بينهم وتعزيز آليات التواصل، فإننا نشد على يده، ونتمنى ألا يقف الأمر عند حدود التصريح، بل أن نرى له تطبيقاً واضحاً من قبل النواب.
وللأمانة نقول، بأن هناك نواباً مازالت مجالسهم الأسبوعية متواصلة لناخبي دائرتهم، أي أنها مفتوحة في رمضان وفي غير رمضان، وفي المقابل هناك نواب «لا حس ولا خبر»، ناخبوهم لا يعرفون لهم أرضاً ولا مستقراً، خطوط بعضهم انقطعت، وأرقامهم تبدلت، ولسان حال بعضهم يقول بصراحة «أذونا الناس»!! متناسين أنهم في وقت الانتخابات هم من «أذوا الناس» لأجل هذا الصوت.
عموماً، إن أراد النواب معرفة «جودة أدائهم» أو «قياس مدى رضا ناخبيهم»، فإنهم لا يحتاجون لا لصحافة، ولا لشركات استشارية، ولا لممثلين عنهم ليبحثوا ويكتشفوا، هي عملية سهلة جداً يمكن أن يقوموا بها، خاصة وأن غالبيتهم قاموا بهم حينما فتحوا مقرات انتخابية في فترة الترشح، ما أعنيه بأن عليهم فتح هذه المجالس، ودعوة الناس للكلام، وليس الكلام الموجه في شأن موضوع عام أو عنوان سياسي مختار، بل الحديث الصريح المبني على نقد أداء النائب، ومحاسبته على شعاراته ووعوده الانتخابية وما إذا حققها أو تناساها.
يفترض بالنواب ألا يدافعوا عن أنفسهم وأدائهم من خلال رفع القضايا على من يتطاولون عليهم بالشتم وبذيء الكلام، بل يفترض أولاً أن يدافعوا عن أنفسهم وأدائهم من خلال بيان حقيقة هذا الأداء، ونسبة النجاح في تحقيق الوعود، والأرقام المحققة المعنية بالإنجازات، وقياس مدى رضا الناس، والتفاعل معهم، والتواجد الدائم معهم.
النواب بيدهم كل شيء، هم بيدهم أن يكونوا على كل لسان بذكر حسن طيب، وبنفس الوضع يمكنهم أن يكونوا على كل لسان بسيئ الذكر والنقد الذي لا يتوقف. أنت يا نائب من تحدد كيف يقيمك الناس وهل ينتقدونك أم يمتدحونك.
لذلك فإن الإجازة البرلمانية الطويلة جداً، والتي تضع النائب في البرلمان البحريني على رأس قائمة أصحاب الأعمال ذوي الإجازة الصيفية الأطول، هي إجازة مفيدة جداً للنواب، إن بالفعل أرادوا أن يقيموا أداءهم، ويصححوا من أوضاعهم، ويكسبوا ثقة الناس مجدداً، من خلال التواصل مع ناخبيهم، وعقد اجتماعات معهم، ومعرفة آرائهم، وتسجيل ملاحظاتهم، والوقوف على انتقاداتهم. ولا يمنع أن تكون للنائب اجتماعات يومية مع أبناء دائرته. فالنواب يقولون إن عملهم ليس مقتصراً على الجلسة النيابية الأسبوعية، بل هناك اجتماعات لجان شبه يومية، وعليه نقول إن في الإجازة البرلمانية، يمكن أن يحول النائب مجلسه في منطقته إلى أشبه باجتماعات اللجان اليومية لأبناء دائرته، وبذلك يمكننا القول إن هذا النائب أو ذاك، بالفعل وقتهم بالكامل أو أغلبه مخصص للناس، هو يمثلهم في وقت عمله وحتى في إجازته!
هل يفعل النواب ذلك؟! أشك وبقوة، بعضهم لن يصدق بأن الإجازة بدأت، ولن تروه إلا في أكتوبر القادم، وبعضهم لن يعطي الناس أي دقيقة من وقته، فأي صاحب إجازة سيقبل بأن يعمل في إجازته، حتى لو كان ممثلاً للناس متعهداً بأن يعمل لأجلهم ولا ينام الليل لأجلهم.
عموماً، استفيدوا يا جماعة من هذه الإجازة ومن مجالسكم، أقلها في إرجاع أواصر الاتصال التي قطعت أغلبها مع ناخبيكم، حاولوا استرجاع الثقة أو تثبيت تلك التي اهتزت، استمعوا لهم، ودعوهم يقيمونكم وينتقدونكم، حتى تتمكنوا من إصلاح أنفسكم وإصلاح العمل البرلماني.