(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، هكذا فحسب؟! لا، بل اقرأ الآية بهذه الطريقة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان).
بات من المعلوم والبديهي لدى كل منا تلازم رمضان والقرآن، لكننا كثيراً ما نغفل عن هذه التتمة التي توضح الأبعاد الكاملة لهذا الكتاب العزيز، فهو: كتاب هداية للناس إلى الحق، بأوضح الدلائل، وتفريق وتمييز بين الحق والباطل.
فهلّا أدركنا هذا السرَّ ونحن نقرأ آياته الكريمة؟ هلّا تفاعلنا مع القرآن حتى يقودنا بالفعل إلى طريق الهُدى والحق؟ أي بعبارة أخرى: هل عملنا حقيقةً على تدبر القرآن ونحن نجتهد في قراءته لاسيما في هذه المواسم العظيمة؟ والله تعالى ينكر على من يتلقى كلامه عز وجل،يمرّرهُ على سمعه وبصره وينطقه بلسانه دون أن يُشغل تفكيره بمعانيه السامية ومقاصده الجلية، ودون أن تتعلق هذه المضغة الصغيرة الخطيرة التي بين جنبيه بعظيم وصاياه وحكيم إرشاده، يقول تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)؟!!
ولهذا كان سلف هذه الأمة يحرصون على إعطاء الفرصة لقلوبهم لتنفذ إليها أنوار القرآن، وكانوا يحثون طلبة العلم وحفّاظ القرآن على ذلك، فهذا مالك بن دينار رحمه الله، كان يهتف بالحفظة قائلاً: يا حمَلةَ القرآن ماذا غرس القرآن في قلوبكم؟؟!
فاجتهد - يا رعاك الله - في العمل على تغرس غراساً طيباً في قلبك من كتاب ربك، واحرص على تربية روحك على مائدته العظيمة، وهذا لا يتأتّى إلا من خلال بذل الخطوات العملية التي تحقق بها إن شاء الله تدبر القرآن الكريم، ومن أهمها الاستعانة بالله واللجوء إليه أن يوفقك إلى ذلك، ومنها اختيار المكان والزمان المناسب الذي تخلو فيه نفسك ويصفو قلبك مع القرآن، ومنها الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، واستشعار أن القرآن يخاطبك أنت لا غير، في كل آية من آياته!
ومن أنجع الوسائل لتحقيق التدبر تسجيل آية في كل يوم تقرأ فيه وِردَك من كتاب الله، توثق آية في كراسة تخصصها لتدبر القرآن ومدارسة آياته.
قف كل يوم تتلو فيه كلام الله مع آية واحدة منه على الأقل، تشعر أنها قد أثارتْ نفسك وأثّرتْ في فؤادك، وأعد كتابتها في كراستك، وحاول الاطلاع على تفسير من التفاسير الميسرة لتتأكد من فهمك لمعناها لو تطلّب الأمر.
وبذلك تكسب يومياً درةً جديدة من درر القرآن ولآلئه المكنونة، لتضيفها إلى رصيد استيعابك لمفاهيمه، ولتزداد بها تعلقاً بعظيم توجيهه وعجائب تأثيره على قلبك.
هذه هي المدارسة القرآنية! وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم).