ما يسمى زوراً وبهتاناً بـ»الربيع العربي»، لا يمكن أن يفترض ولو مجرد الافتراض أن يكون عبارة عن حركات احتجاجية أو ثورات شعبية ضد الأنظمة الحاكمة العربية، وذلك بغض النظر عن مستوى هذه الأنظمة من حيث صلاحيتها وديمقراطيتها أو ديكتاتوريتها، ومن يتوهم أن ما جرى وما يجري في الوطن العربي على أنها حركات وطنية فهذا يحتاج إلى إعادة قراءة الواقع بكل واقعية، بعيداً عن العواطف الساذجة والأمنيات الكاذبة.
كل شعوب الدول العربية التي شهدت حركات شعبية لم تتحصل على نتيجة مقنعة ولم تصل حتى هذه اللحظة إلى بر الأمان، خصوصاً الدول التي كانت مسرحاً لأعمال إرهابية مسلحة أو أعمال عنف أودت بالوطن إلى منزلقات شرسة وعنيفة، بل لم تفلح كل الحركات التي يفترض أن تكون حركات وطنية وشعبية في الحصول على مرادها، لأنها لم تختر طريق الثورة أصلاً وإنما كان هذا الخيار أجنبياً صرفاً، ومن هنا لم تنجح الشعوب في تغيير الحكم وإنما استطاعت تغيير الحاكم فقط، وهذا الأمر يعتبر من أكبر الدلالات على أن الثورات جاءت من الخارج وليس من الداخل.
لا يعقل بعد خمسة أعوام من الحراك الشعبي ومن عمق «الربيع العربي» ألا تنجح دولة واحدة من دول الربيع في أن تحقق «ربع» أهدافها أو بعضها، بل لم تستطع تلكم الشعوب أن تقدم مشروعها السياسي الذي يمكن أن يكون بديلاً عن نظام الحكم لو قدر له أن يقع، بل ما حصل على أرض الواقع هو عكس كل التصورات، فالدول العربية التي يزعم بعضهم أنها خاضت ثورات شعبية حقيقية بعد نصف عقد من الزمان نجدها اليوم قد سقطت في مستنقع العنف والإرهاب، مما أدى هذا الأمر إلى موت كل أشكال التنمية والتقدم، بل إن بعض دول «الربيع العربي» لم تستطع أن توفر أقل متطلبات الحياة الكريمة كالخبز وبطانيات الشتاء، والأدهى من كل ذلك، هو غياب كل أشكال الحريات والديمقراطية التي ماتت لأجلها كل الشعوب!
في دول الربيع العربي، زادت أشكال الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية والدينية، ومن جهة أخرى ماتت التنمية وهوى الاقتصاد في الحضيض، أما الاستقرار والسلم الأهلي وإبقاء مقومات النظام الأمني الحافظ لكل مكونات المجتمع فإنها انقلبت إلى عمليات إرهابية فتاكة أكلت «الأخضر واليابس» ولم تبقَ في بعض المدن العربية من بقايا سوى الأطلال وأجساد الضحايا وأنين المشردين والجياع ونفوق الأطفال والنساء بطريقة مؤلمة للغاية.
هذا الربيع المستحضر في مطابخ الدول الطامعة لتقسيم الوطن العربي إلى «كانتونات» قزمة لم ينجح في أن يكون ربيعاً حقيقياً يسلم من خلاله الإنسان وحتى الحيوان، فجاء على عكس التصورات، فكان خريفاً سقطت من خلاله كل القيم التي تحمي كيانات الشعوب ولو بالقدر المتيسر، حتى تحولت دول «الربيع العربي» إلى مدن أشباح وأزقة أحزان، فالتوابيت على دكة المقابر، أما البحر فإنه بات يزف إلينا كل يوم خبر غرق مئات الأبرياء الذين كانوا ينشدون ربيعاً لا يرميهم وسط المحيط الذي يقع بين الشرق والغرب، وانتهى الكلام.