يقوم هذا التصور على رؤية المشرع للضمانات التي يتمتع بها المتعاقد مع الإدارة من خلال إحداث التوازن بين السلطات التي تتمتع بها الإدارة وبين الضمانات التي ينشدها المتعاقد معها.
فالمشرع - وهو بصدد تضييق الفجوة بين مركزي المتعاقدين- نظم عدة أحكام ليس في قوانين المناقصات والمزايدات فحسب، بل حرص على النص على ذلك في القانون المدني أساساً، فمنح القاضي سلطات التدخل للمحافظة على إحداث التوازن الفعلي بين طرفي العقود المدنية في الحالات التي يكون فيها أحد الأطراف أكثر ضعفاً من المتعاقد الآخر، وذلك خروجاً على قاعدة « العقد شريعة المتعاقدين».
وفي مجال العقود الإدارية لم يشأ المشرع أن يجعل سلطة الإدارة في مواجهة المتعاقد معها مطلقة من كل قيد، بل قيدها بعدة قيود، ليس فقط في مرحلة تنفيذ العقد، إنما حتى في المرحلة السابقة على الإبرام.
فقبل إبرام العقد، يلزم المشرع جهة الإدارة بأن تطبق أقصى درجات الشفافية من خلال توافر العلانية في مشترياتها، ليس فقط من خلال الإعلان عن تلك المشتريات إنما أيضاً من خلال نشر وتسبيب القرارات المختلفة التي تتخذها في المرحلة السابقة على التعاقد مثل قرارات الاستبعاد والحرمان وكذلك قرارات الإرساء.
إضافة إلى ذلك يتوجب على جهة الإدارة أن تعامل جميع المشاركين في المناقصة أو في المشتريات عموماً أو في المزايدة معاملة واحدة أساسها حرية المنافسة والمساواة، فلا تجامل أي من المشاركين على حساب الآخرين بأي حال من الأحوال، وأن لا تخلق نوعاً من التمييز بينهم، أو تمنح بعضهم امتيازات معينة دون البعض الآخر، أو أن تضع عقبات أمام بعض المتنافسين، بل عليها أن تفتح باب التزاحم والمنافسة الشريفة أمام من يود المشاركة في المناقصة.
ويلزم المشرع كذلك جهة الإدارة بإبرام العقد مع من اختاره مجلس المناقصات والمزايدات وفقاً للقانون البحريني ولجنة البت وفقاً للقانون المصري وأن لا تستبدل غيره، ما لم يعدل عن إتمام التعاقد في الوقت المناسب عن محل العقد، مع الرجوع في هذه الحالة مرة أخرى لمجلس المناقصات والمزايدات (أو للجنة البت) لاستصدار قرار بالإرساء على المورد أو المتعاقد البديل بحسب الأحوال.
وعند التنفيذ يلزم المشرع جهة الإدارة مراعاة الضمانات المقررة لصالح المتعاقد معها سواء أثناء ممارسة دورها في الرقابة والتوجيه، أو عند قيامها بتعديل العقد بإرادتها المنفردة، أو بإنهائه، أو بفرض الجزاءات المختلفة على المتعاقد معها.
وتتنوع الضمانات التي يتمتع بها المتعاقد مع الإدارة، فهناك من الضمانات ما يتقرر بموجب القانون، وأخرى تكون مقررة بموجب أحكام القضاء الإداري، وثالثة تتقرر بموجب الاتفاق بين المتعاقد وبين جهة الإدارة. وسنتناول كل ذلك بشيء من التفصيل في المقال القادم إن شاء الله.