«الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل».. هكذا كان الشعار الذي اتخذته ثورة روح الله الخميني في إيران، وظل الإيرانيون يرددونه على مدار 37 عاماً، بينما في المقابل، لم تنقطع الاتصالات والمشاورات بين حكم الملالي والبيت الأبيض وتل أبيب طوال تلك الفترة، الأمر الذي يكشف عن حقيقة براغماتية نظام «ولاية الفقيه» ويفضح أكذوبة ووهم ثنائية «الثورة والمقاومة»، التي طالما رفعها قادة إيران خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ولم يوهموا أو يكذبوا على شعبهم فحسب، بل على أتباعهم من العرب المنخدعين في الشعارات البراقة لحكم الملالي!
وقد كشفت الأيام الماضية، من خلال وثائق وتصريحات، حقيقة الاتصالات التي تمت بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين وإسرائيليين سراً سواء قبل قيام ثورة الخميني في عام 1979 أو بعد ذلك.
وأول تلك المواقف الفاضحة، الوثائق الأمريكية التي رفعت واشنطن عنها السرية خلال الأيام الماضية، والتي كشفت حقيقة العلاقة بين مؤسس نظام «ولاية الفقيه» روح الله الخميني والحكومة الأمريكية – «الشيطان الأكبر» – منذ الستينيات، وحتى قبل أيام من وصوله إلى سدة الحكم في طهران قادماً من باريس بعد 15 عاماً قضاها في المنفى، ثم إعلانه قيام الثورة، بعدما دعمت واشنطن نظام الخميني، وسهلت إسقاط حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وقد بينت الوثائق التي نشرتها وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي أي إيه» قبل أيام من الذكرى الـ 27 لوفاة الخميني، كيف أن الأخير تبادل رسائل سرية مع الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي بعد أشهر من الإفراج عنه من السجن في إيران في 6 نوفمبر 1963، وقبل أسبوعين من اغتيال كينيدي، وأنه طالب خلالها بألا «يفسر هجومه اللفظي بطريقة خاطئة، لأنه يحمي المصالح الأمريكية في إيران».
كما كشفت الوثائق كيف أن الخميني تواصل أيضاً سراً مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، عبر وسطاء في 19 يناير 1979، أي قبل أيام من انطلاق الثورة، وتعهد حينها بأنه لن «يقطع النفط عن الغرب، ولن يصدر الثورة إلى دول المنطقة، وأنه سيقيم علاقات ودية مع الحكومة الأمريكية»، الأمر الذي فسر على أنه كان خوف الخميني من قيام الجيش الإيراني بانقلاب عسكري ضده بدعم أمريكي، وهو ما دعاه إلى كسب ود واشنطن وطلب رضا البيت الأبيض من خلال المحافظة على مصالح أمريكا بالمنطقة مقابل فسح الطريق له لتولي مسؤولية البلاد بهدوء، دون توترات أو أعمال عنف دموية.
وقد جاء الرد سريعاً بعد مغادرة الشاه إيران، بأن واشنطن تدعم تغيير الدستور في إيران، وأن القادة العسكريين في إيران سيكونون مرنين تجاه مستقبلهم السياسي.
ومعروف عن الخميني أنه هو صاحب شعار «الموت للشيطان الأكبر»، وهو من دعم اقتحام السفارة الأمريكية في طهران من قبل الطلاب الإيرانيين المؤيدين للثورة واحتجاز 52 دبلوماسياً أمريكياً مدة 444 يوماً من 4 نوفمبر 1979 حتى 20 يناير 1981.
وكان الخميني حريصاً على تأكيد عدم معارضته للسياسات الأمريكية حيال طهران بل كان يؤكد أن الوجود الأمريكي ضروري لمعادلة التوازن للنفوذ السوفييتي والبريطاني في المنطقة، خاصة أن بريطانيا كانت تهيمن على القرار السياسي لدول بالمنطقة، وهو الأمر الذي فسره محللون بأن واشنطن دعمت الخميني من أجل تحجيم دور لندن خاصة أن الأخيرة كانت السند الرئيس لنظام الشاه، في ظل الصراع بين البلدين على الهيمنة على الشرق الأوسط، إضافة إلى محاولة واشنطن عزل موسكو من خلال أحكام قبضتها على دول كانت تعرف بتابعيتها للنظام السوفييتي. وربما هذا ما دفع محللين ومراقبين إلى إمكانية اعتبار ثورة الخميني أمريكية كونها تخدم الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وتزعزع استقرار الدول المجاورة لإيران من خلال محاولات تصدير الثورة.
أما ثاني المواقف الفاضحة، فهو ما كشفه شاهين دادخواه، العضو السابق في الفريق الإيراني النووي المفاوض في حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، والمستشار الأمني السابق لحسن روحاني خلال رئاسته المجلس الأعلى للأمن القومي، من أن «السلطات الإيرانية كلفته بإجراء اتصالات مع إسرائيل، وأنه زار تل أبيب سراً عام 2010 بتكليف رسمي من النظام الإيراني، والتقى وزير الصناعة الإسرائيلي ومسؤولين في جهاز الموساد»، مشيراً إلى أنه «أجرى مباحثات مع مسؤولين أمنيين وسياسيين إسرائيليين بهدف ضمان المصالح الإيرانية، وقدم تقريراً عن نتائج زيارته لكبار المسؤولين الإيرانيين».
وتضاف تلك الفضائح إلى فضيحة «إيران غيت» والمعروفة أيضاً باسم «إيران كونترا»، تلك الصفقة السرية التي باعت فيها إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان خلال فترة ولايته الثانية لإيران أسلحة بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأمريكية لها بأنها «عدوة لأمريكا» و«راعية للإرهاب». ولا يمكن بالتالي تجاهل الاتصالات السرية التي تمت بين إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والنظام الإيراني قبل إعلان الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى والذي أبرم في 14 يوليو 2015.
* وقفة:
لا يمكن تجاهل حقيقة أن ثورة الخميني أمريكية وبينما يدعو نظام «ولاية الفقيه» بالموت على أمريكا وإسرائيل يسعى خلف الكواليس لاسترضاء «الشيطان الأكبر» وتقديم الوعود للحكومة الأمريكية، ولا يمانع إجراء اتصالات سرية مع تل أبيب، وتلك هي حقيقة براغماتية حكم الملالي!!
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}