في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، وقواتنا المسلحة تشارك على أكثر من جبهة بالتحالف مع دولنا الخليجية والعربية لمواجهة مشروع التمدد الفارسي في المنطقة من جهة، وتمدد التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، فإن تقوية وتعزيز الأمن في جبهتنا الداخلية ضد هذا الخصم جزء أساسي من هذه المعركة لا يجب أن يغيب عن بالنا.
هذا ما عقدت عليه وما اتفقت عليه كافة دول الخليج المشاركة في التحالف، إن سد الثغرات وتحصين الجبهة الداخلية مسألة لا تهاون ولا مساومة فيها، ولا تقل في أهميتها ودورها عن شرف القتال لقواتنا المسلحة على تلك الجبهات، فمن قتل رجال أمننا داخل الجبهة الداخلية في البحرين وهرب السلاح والمتفجرات هو ذاته الذي نحاربه على الجبهة اليمنية والسورية وتحاربه السعودية والإمارات والكويت وقطر، الأموال تأتيهم من ذات المصدر والتهريب من ذات المصدر والدعم من ذات المصدر.
ما يعنينا اليوم أن عملية الفصل بين الأجنحة العسكرية للميليشيات الإرهابية التي تعيث في المنطقة إرهاباً وبين الأجنحة الداعمة له لوجستياً والتي تحاول دول كالولايات المتحدة الأمريكية تمريرها، هي عملية فصل ليست ملزمة لنا ولا يجب أن نرضخ لمنطقها على حساب أمننا وتقوية جبهتنا الداخلية.
فإرهاب من تطارده القوات الأمنية في الداخل وتقبض عليه وتصادر الأسلحة التي بحوزته ومستودعات المتفجرات التي هربها والإرهاب الذي تحاربه على الجبهات قواتنا المسلحة، لا ينفصل بتاتاً عن إرهاب إعلام يصور الإرهابيين على أنهم «فتية آمنوا بربهم تطاردهم قوات مرتزقة وتحبسهم على خلفيات سياسية»!! هذا إعلام يؤكد أن المنظومة واحدة لا انفصال بين قسميهما.
فهذا الإعلام يضلل رأياً عاماً محلياً، ويضلل رأياً عاماً دولياً، ويساعد التنظيمات الإرهابية على تكملة مهامها ويشرعن ويحلل لها ما تقوم به من أعمال إرهابية بالترويج لها على أنها «أعمال سياسية» ولا يغطي على تلك الجريمة - جريمة تحريض وتشجيع وتمجيد الإرهاب - ألف بيان يشجب الإرهاب فيما بعد.
كما لا تزيد التقارير والتصاريح الصادرة من دول أجنبية أو منظمات دولية والتي تروج لشخصيات مدانة بأعمال إرهابية على أنها شخصيات سياسية أو ناشطة حقوقية إلا وبالاً، وهي تقارير تهدف لإقناعنا بفصل الجناح السياسي والإعلامي عن الجناح الإرهابي، وهي محاولات غير منطقية ولا تستند لواقع نلمسه نحن على الأرض ونعاني منه نحن كمجتمع، نرى فيه رأي العين مدى ارتباط بل وتنامي تلك الأعمال الإرهابية بالدعم الذي تحظى به من الأجنحة الدينية والسياسية والإعلامية.
محاولات الفصل الذي تصر عليه تلك التقارير الأجنبية لم تساعد البحرين أبداً في القضاء على الإرهاب فيها بل أضعفت جبهتنا الداخلية لكثرة الاستجابة لها والرضوخ لابتزازها، وأصابت رجال الأمن بالإحباط والضيق والتململ، ولم تساعد أو تساهم في دعم الاستقرار وتعزيز الأمن في الجبهة الداخلية بل ساهمت في ارتكاب المزيد من تلك الأعمال الإرهابية.
وعلى هذا الأساس لا بد للدولة أن تحسم موقفها وتحدد سياستها المستقبلية تجاه من أضعف جبهتها الداخلية على مدى خمسة عشر عاماً من جمعيات ومؤسسات وأفراد وصحف خاضعة كلها لذات المرجعية الدينية الأجنبية التي نحاربها على الجبهات الخارجية، دون إحساس ومسؤولية وشعور بتبعات تلك الممارسات وتجاه عمليات الابتزاز الأجنبية التي تسندها.
على مملكة البحرين أن تحدد موقفها تجاه تلك المؤثرات والضغوط الخارجية على أنها ابتزاز ممجوج ساهم في إضعاف الجبهة الداخلية في وقت تتعرض فيه المنطقة لأكبر تهديد لكيانها، ابتزاز أضعف الجبهة الداخلية لمنظومة دول التعاون برمتها لا البحرين فحسب.
نؤكد على ذلك إلى جانب تأكيدنا على أن مملكة البحرين ماضية في إصلاحاتها السياسية وتقوية وتعزيز تجربتها الديمقراطية وفي تعزيز المنظومة الحقوقية مستعينة بخبرات حلفائنا الحقيقيين لخدمة وتطوير وتنمية مؤسساتنا الأمنية والقضائية والمدنية، إنما ذلك لا يعني أبداً أننا على استعداد للتخلي عن مقومات أمننا وسيادتنا واحتسابها كأولوية تأتي قبل أي شيء آخر، كما هو حال جميع الدول ذات الديمقراطيات العريقة.