ما تقوم به ايران اليوم في اكثر من مدينة مسلمة عربية من انتهاكات وتغيير ديمغرافي لهو أمر خطير وما يجري في مدينة الفلوجة العراقية يشكل أكبر تهديد واستفزاز واختبار لدول المنطقة.
لقد تجمعت كل الميليشيات الإيرانية، وتناست كل الأحزاب والتكتلات الشيعية العراقية خلافاتها، وتوارى عن الأنظار مقتدى الصدر، واندلست ثورته الإصلاحية، وذاب مؤيدوه بل انخرطوا مع الجميع واصطفوا تحت راية قاسم سليماني في القتال ورايات طائفية مقيته مغلفة بلبوس لا ينطلي على أحد وحجة واهية لمحاربة الإرهاب.
ومقر غرفة العمليات ليس كما يظن البعض بأنها على تخوم الفلوجة أو في بغداد، بل هي في قم وفي غرفة خامنئي على وجه التحديد. لقد أثبتت إيران أنها ليست نمر من ورق كما روج لنا البعض وكما ضحكت علينا أمريكا لعقود عندما صنفتها كإحدى دول محور الشر، وأنها دولة ملالي وسرعان ما ستنهار مع معاقبتها بالحصار.
لكنها أثبتت العكس، فلديها من الجرأة والحنكة في السياسة ما يفتقدها الكثيرون، فهي تعلم جيداً ما لها وما عليها وبتفاهمات مسبقة ومرونة في التعاطي مع الملفات الساخنة، استطاعت اختراق كل المحافل الدولية وبسط نفوذها على العديد من الدول العربية بل وصل مبشروها وثورتها المشؤومة إلى قارات العالم.
وقد زرعت خلاياها وأتباعها بتكتيك ومهارة وصمت وهم يعملون كعقارب الساعة ولديهم من الخطط والقيادات البديلة ما يقطع الطريق لمحاصرتهم وقد أخذوا كل التحوطات لإنجاح مشروعهم التوسعي.
وليس هزيمة أو تثبيطاً من العزيمة والهمم بل هو من الحكمة استعراض نقاط القوة والضعف عند عدوك لدراستها وتحليلها كذلك لمشاغلته وتقليص مساحة نفوذه وتقليل ضرره.
ولم يعد سراً اهتمام أمريكا والعالم الغربي بإيران واصطفافهم معها ودعمها اللامحدود بل حتى مكافأتها بالسماح لها في تطوير برنامجها النووي، فلقد استطاعت إقناع تلك الدول بأنها المنقذ الوحيد لأمن مدللتهم إسرائيل، وهي كفيلة بعد دعمها بتحويل وجهة التحدي والصراع من تل أبيب إلى العواصم العربية وإنهاكها وتجزئتها وابتلاعها الواحدة تلوى الأخرى .
لقد استطاعت إيران النفوذ إلى العراق وسوريا واليمن بأقنعة مختلفة وبالتحكم عن بعد بحجة مقارعة الارهاب وتنظيم الدولة «داعش» الذي هو صنيعتها فهذا هو الدهاء والمكر بعينه!
فبات على الدول العربية وجامعتهم اليوم الخروج عن صمتهم والكف عن لعب دور المتفرج ولتكن أكثر جدية وصرامة وجرأة في التعامل مع إيران وإيجاد التحرك الرسمي لردعها وكذلك التفكير جدياً بإشغالها من داخلها وعلى سبيل المثال التحرك لنصرة الشعب الأحوازي العربي المسلم ونصرة ودعم الملايين الرازحين تحت ظلمها وإرهابها، بالضبط كما هي تفعل بإرسال قاسم سليماني وجنوده والعشرات من جنرالاتها في العراق وسوريا، فلماذا هي أعطت الحق ونصبت نفسها حامي الحمى لشيعة العالم ومن أعطاها ذلك التفويض؟!
للأسف في خضم هذه الانتهاكات يكاد الموقف العربي غائب تماماً عن الساحة، فلو حذت باقي الدول وساندت المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع جارة السوء لأعادت حساباتها ولبلع مسؤولوها ألسنتهم الطويلة.
كذلك فقد حان الوقت بالتحرك الفوري بمحاصرة ميليشياتها وقياداتهم الإرهابية، خاصة المطلوبين وأكثرهم دولياً وتقديمهم للمحاكم الدولية كمجرمي حرب والأدلة الدامغة على إجرامهم تملأ المعمورة، ولا يكفي أن نضع الإرهابي حسن نصر الله وحزبه الشيطاني على قائمة الإرهاب، ونتغاضى عن ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية وعشرات الميليشيات الأخرى التي تعيث في الأرض فساداً.
إن موضوع تشكيل الميليشيات وبهذا الكم الهائل في العراق هو أيضاً خطة محسوبة الأهداف والنتائج، فلا تريد إيران أن تكرر نفس أخطائها في لبنان واليمن، بالاعتماد على تنظيم ورأس واحد كـ «حزب الله» وقائده الإرهابي حسن نصر الله، والحوثيين وقائدهم عبدالملك الحوثي، فبمجرد الوصول إلى الرأس أو السعي لتصنيفهم كمنظمة إرهابية ستشل حركاتهم تماماً، فعمدت لتغيير نهجها في العراق، وأوعزت بتشكيل العشرات من الميليشيات الإرهابية ومئات القيادات ليصعب ملاحقتهم وإدانتهم ولتضيع معالم الجريمة وليذهب دم العراقي هدراً بين الميليشيات، بعد أن تضع الحرب أوزارها، لكن وكما يقال لكل شاطر غفلة وغلطة إيران التي من الممكن النفوذ منها هي جمعها لكثير من تلك الميليشيات تحت عنوان «الحشد الشعبي» غير المعترف به دولياً، رغم مساندة أمريكا له علناً، فمن الممكن التحرك وجمع الأدلة على انتهاكاته وما أكثرها والعمل على تصنيفه كمنظمة إرهابية.
اليوم إيران قطعت شوطاً بعيداً في مخططها التوسعي الإجرامي، وكل ما تناولناه وطرحناه هو إجراءات ترقيعية لكن أن تفعل شيئاً خيراً من أن تبقى متفرجاً، وتنتظر الخطر ليداهمك في عقر دارك، وما زال الأمل معقوداً بحنكة وحكمة قياداتنا والتحالف الإسلامي الذي هو بارقة الأمل والمصد الذي سيكون كالصخرة الصماء لمن أراد أن يجرب حظه العاثر!! ورمضان كريم مبارك.