قبل سبعة أعوام كتبنا أكثر من مقال ومقال عن خطورة الحروب الدينية وحذرنا من وقوعها في حال استمر الدينيون في عبثيتهم. حينها اتهمنا البعض بأننا نغالي في قراءة المستقبل، وأن ما تسمى بالحروب الدينية ما هي إلا نظرة تشاؤمية وغير منطقية، وعلى الرغم من أن الأوضاع السياسية كانت أقل فتوراً حينها، لكننا كنا نعتقد أن مسلسل الأحداث سيقودنا إلى معترك صراعٍ ديني، لن يكون فيه غالب ولا مغلوب، فالحروب الدينية عادة ما تقدم أكبر قرابين لها في الصراعات القائمة، ومع ذلك تخرج بأكثر التكاليف دون نتيجة عادلة.
الحروب الدينية شرسة للغاية، فهي لا تعترف بالهدنة ولا باللون الرمادي، فهي «إما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى» كما ورد ذلك في أدبيات بعض التيارات الدينية، ومن هذا المنطلق كان وسيكون كل شكل من أشكال إقصاء الآخر وتهميشه وتحقيره من منطلقات دينية هو السبب في تدافع الدينيين نحو المعركة الشرسة، بغض النظر عن هوية هذا الدين.
ربما تكون هنالك بعض الحروب والصراعات القائمة تتوكأ على المصالح السياسية والأطماع الاقتصادية لكنها ستكون نزاعات طبيعية للغاية، ولربما تنتهي بتفاهمات حتى ولو كانت كلفتها عالية، لكن الصراعات الدينية مهما صغرت أو كبرت فإنها ستدخل كل المجتمعات في صراعات دموية عنيفة، لأنها تستدعي التاريخ بكل تفاصيله وأهواله كما إنها تفتح عيوب العقائد الأخرى ومثالبها بغية أن تسقطها في وحل الأفكار والمعتقدات، وبما أن الدولة لا يمكن أن تكون متدينة أو غير متدينة ستنتقل المعركة الدينية من الدولة إلى بقية أفرادها، مما يعني أنها ستكون معارك خارج نطاق القانون والمنطق والعقل.
ما تحركه الحروب التقليدية هي المصالح والمنافع، أما في الحروب الدينية فإن ما يشعل فتيلها هي الغرائز المتدثرة خلف دثار العقيدة ونصرة الحق والشهادة ودخول الجنة، ومن هنا سيكون إقناع المجتمعات «العقدية» بخطورة هذه المعركة صعباً للغاية لأنها لا تفكر خارج الصندوق ولأنها في الغالب ما تعيش خارج نطاق العقل واحترام الإنسان، سواء كانت معارك مسيحية أو إسلامية أو يهودية أو غيرها، فالمشتركات التي يحتمي خلفها أصحاب هذه الديانات كلها مشتركات «إيمانية» بمحددات عقائدية قاطعة، وستكون محصلتها النهائية أنه لن يكون فيها أي لون غير الأسود والأبيض، ولهذا فإنها ستكون بالنسبة إلى الدينيين معركة حياة أو موت.
ما يهمنا وما يؤسفنا اليوم كمسلمين في هذا المشهد المؤسف، هو أننا جرِرْنا أو أخذنا نجرّ بعضنا البعض باتجاه هذه المعركة الخاسرة بكل المقاييس والتوجه نحو فتن طائفية وصراعات مذهبية لا مجال فيها لإحكام العقل والضمير والأخلاق، فصارت معركتنا نحو «أنفسنا» بدل أن نوجه أسلحتنا نحو العدو، ولهذا فإننا إن لم نستيقظ قبل الأوان المخصص لتجفيف الفكر المتطرف من منابعه وتهشيم رأس التعصب المذهبي فإن فاتورة الدم ستكون أكبر من كل إمكانياتنا، وحين ينجلي غبار المعركة الدينية فإن الندم لن يصلح ما أفسده الدهر، وما الحروب الدينية المسيحية الكنائسية عنا ببعيدة، فهل هنالك من متعظ؟