يبدو أن رسالة «دولة المؤسسات والقانون» من أحداث أمس الأول وصلت بوضوح لكثير من الجهات الضالعة في «صناعة حالة الكراهية ضد الدولة»، بالأخص الذراع الإعلامي الذي طالما ساعد «الوفاق» ومن معها من منقلبين على النظام، وروج لرموز التحريض وصورهم على أنهم المظلومون في حين هم من يمارسون «سلخ» جلد البحرين يومياً.
واضح بأن من راهن على كلام علي سلمان في خطاباته قبيل «سقطته» الجسيمة التي صرح فيها بأن «السلاح عرض عليهم من الخارج ومتاح للاستخدام ضد النظام البحريني»، واضح بأن من راهن على كلام علي سلمان وقوله للنظام «صامدون وباقون وسنرجع ولو بعد عشرة أعوام»، ومن راهن على تحديه للدولة وقوله لها «تحلمون»، واضح بأنهم يوم أمس قد «رفعوا الراية البيضاء»، ووصلوا بالفعل لمرحلة «فقدان الأمل»، واعتبروها نهاية مرحلة، وحاولوا بتلون كلامهم المعروف استعطاف جلالة الملك عبر الإشارة لحكمته وتغنيهم بها، وهم أنفسهم الذين ناهضوا ملكنا المفدى حينما مسكوا «المايك» وخطبوا في الجماهير من على منصة الدوار.
لم ننسَ، ولن ننسى، ولا يمكن لكلمات «متزلفة»، أو خطاب «متلون»، أو «تقية» إعلامية أو سياسية، أن تغيب عنا المشاهد التي حصلت في انقلاب 2011، ورجاء من كل مخلص ومحب للبحرين وملكها وقيادتها وتهمه وحدة أهلها ألا يصف ما حصل في 2011 بأنها «أحداث»، بل يصفها بحقيقتها المجردة، هي «عملية انقلابية»، بالتالي هو «انقلاب 2011».
ولتعذرنا أية جهة تمثل الدولة هنا، خاصة ممن يرنون ويتطلعون ليوم نصحو منه وكأننا نسينا ما حصل، وكأنه «كابوس» جاءنا في منام، وعندما صحونا اكتشفنا بأنه «أضغاث أحلام». أقول اعذرونا، فما حصل حقيقة، والحقائق لا ينفع معها «التغافل» أو «خداع النفس» أو «تخديرها»، لا ينفع أبداً أن أطلب من المخلصين للبلد والذين وقفوا معه ودافعوا عن ترابه ورفضوا الإساءة لرموزه، ومنعوا اختطافه، لا ينفع أبداً أن أطلب منهم «تخفيف خطابهم» أو «نسيان» أو «تناسي» ما حصل، لا ينفع أن أحاول إقناعهم بأن من رفع حبال الرافعات في الدوار وصور مجسمات القيادة في المشانق، وقال للمخلصين «ارحلوا ونحن الباقون»، ورفع شعار «باقون حتى إسقاط النظام»، لا ينفع أن أحاول إقناعهم بأن هؤلاء «تابوا توبة نصوح»، وأنه بين ليلة وضحاها «نبعت الوطنية وحب البحرين في عروقهم»، وأنهم باتوا يرون في قيادة البحرين ملكنا ورئيس وزراء وولي عهد «رموزاً» لها الأولوية والولاء المطلق على رموزهم بالأخص من هم من الخارج، والمعروفة أجندتهم تجاه البحرين.
يا جماعة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أطلب من المخلص أن يهادن الخائن، لا يمكن أن أطلب من المخلص أن يسكت ويكف لسانه وقلمه عمن انقلب على البلد وتطاول على رموزها، في الوقت نفسه أسمح للخائن والانقلابي أن يقول ما يريد ويكتب ما يريد ويفعل ما يريد؟!
ما حصل لـ «الوفاق»، كان لابد وأن يحصل منذ زمن، وليست هي وحدها، بل كل من تطاول على البحرين، وتطاول على قانونها، وأساء لرموزها وقيادتها، ونثر سمومه وحاول تشتيت المجتمع وشرخه باسم الطائفة والمذهب، والله البحرين حالها أفضل بكثير بدون «الوفاق» وبدون أي تكتل كانت له أيادٍ ملوثة في دوار الانقلاب، وكانت له بصمات خيانة وغدر شهدت عليها القنوات الإعلامية الخارجية، ومن ألقى بنفسه في أحضان الإيرانيين والغرب بائعاً لوطن احتضنه وصبر حتى على إساءاته بحلم وسعة صدر.
نعم، هي نهاية مرحلة، علك تعي بأن المكاسب التي تحصلت عليها من الدولة، والأوضاع التي تهيأت لمن عاد ليعمل في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، لا تعني أبداً أن تعملوا بنفس «خبث» نهاية الثمانينات والتسعينات، بحيث يكون إضعاف الدولة هدفاً رئيساً، ويكون السعي له بصبر وأناة وتخطيط طويل المدى، حلم البحرين كدولة وقيادة فاق جميع الحدود، وأنتم تعلمون ذلك تماماً، لكن الحلم لا يعني بأنه دعوة للتطاول والإساءة والغمز واللمز وفي النهاية الانقلاب.
من يريد أن يوهم العالم بأن «الوفاق» كانت «حمامة سلام» فهو يخدع نفسه، البحرين كلها حتى شارع «الوفاق» نفسه، يعرف تماماً ماذا فعلت هذه الجمعية في هذا البلد الآمن، يعرف تماماً بأنه لولا «قفزة «الوفاق» في الدوار» ولولا «تنطط» مسؤوليها من على منصتهم، ولولا «نشوتها» في قيادة الناس لمناهضة الدولة، لكانت البحرين بألف خير، ولما وصلنا لهذا المستوى من الشرخ المجتمعي.
وعليه إن طال الصبر على من ناهض الدولة وحاربها وعمل ضدها وهو يدعي «الوطنية» في أشهق قمة من قمم المهزلة، عليه اليوم دفع ضريبة «عداء الدولة والقانون والشعب»، لا أن يتباكى ويصور نفسه الضحية وهو الجلاد الحقيقي الغارقة يداه في دم هذا الوطن.