أكثر ما يحير المتابع السياسي في العالم اليوم هو ما يراه من التناقضات الكبيرة في المواقف السياسية الغربية حيال الدول والشعوب والمنظمات العربية بشتى مشاربها، فتارة يؤيدون دولة بعينها ويعارضون المعارضين فيها، وربما بعد أيام فقط، يذهبون إلى عكس ذلك، وبين هذا وذاك، ينصحون شعباً من الشعوب بالانصياع لقوانين أنظمتهم الحاكمة وبعد يوم ينصحون حكوماتهم بإعطاء الشعوب كامل حقوقها، وبين هذه التناقضات الكبيرة وبين أهدافه المرسومة، يقع الغرب في مواقف محرجة للغاية، قد تعرِّيه أمام المجتمع الدولي حين تتجلى هذه المواقف بشكل يثير الريبة والشك.
يبدو أن كل ما يهم الغرب وعلى رأسهم أمريكا هو مقدار ما ينالونه من كميات النفط وعلى ضرورة تدفقه لهم بشكل سلس، وما يهمُّ هؤلاء الذين يبنون دولهم على أنقاض دولنا هو كميات السلاح المباعة لدولنا وضرورة تشغيل مصانعهم ولو على حساب عدم استقرار دولنا. هذه الوقاحة الغربية غير المبررة في تعاملها مع الدول والشعوب العربية أصبحت محل تندرٍ عند الجميع، بل يجب أن نعترف بأن الغرب قد خسر أنظمة الحكم في الدول العربية بذات القوة التي خسر فيها بعض المواقف المؤيدة له من طرف الكثير من الشعوب التي كانت تأمل أن ينصفها الغرب لكنه لم يفعل، فخذل هذا وذاك.
في خضم هذه التناقضات السافرة، يكون من الضرورة بمكان أن يحدث الانفصال التام بين الدول العربية وشعوبها وبين الغرب، وأن يتجه العرب للبحث عن شركاء حقيقيين أكثر وفاء والتزاماً بعهودهم معنا، وأن تكون العلاقات مع الحلفاء الجدد قائمة على أساسات ثابتة وغير متناقضة، وأن يكون أساس تلك العلاقات هي المصالح المشتركة وليس المصالح التي تصب في مصلحة طرف دون آخر، فهناك الكثير من الدول الكبيرة والعميقة تفتح أذرعها مرحبة بالدول والشعوب العربية دون الحاجة لأن تحكم علاقاتهما النظرات العنصرية والمصالح الشخصية، وهذا ما يجب أن يقرره العرب سريعاً قبل فوات الأوان، فالأخطاء الاستراتيجية التي تبناها العرب طيلة فترة تاريخهم الحديث والتي وضعوا فيها البيضات السياسية والاقتصادية كلها في سلة واحدة كانت من أكبر كوارثها ونتائجها هو أنهم لم يجنوا بعد أكثر من 100 عام على مرور هذه العلاقات المتذبذبة سوى المزيد من الخيبات والتراجع.
ليس هذا وحسب، بل بعد مرور أكثر من قرن من الزمان على العلاقات العربية - الغربية وجدنا أن الغرب بدأ يثق في بعض مراحل الإرهاصات السياسية الأخيرة بالمنظمات الإرهابية أكثر من دول تتمتع بكامل سيادتها، وهذا يعطينا مؤشراً واضحاً أن الغرب ليس محل ثقة في هذا الأمر الذي يعتبر من أوضح الواضحات التي ينحاز فيها نحو مصالحه حتى ولو كشفت عوراته أمام المجتمع الدولي الذي أسكته المال السياسي الغربي، ولهذا يجب على الغرب أن يصحح نظراته المنحرفة تجاه «العرب» بشكل ثابت دون الحاجة إلى هذه الكميات الهائلة من التناقضات، أو أن يذهب العرب إلى جهة غير جهة الغرب فلربما يجدون فيها كامل كرامتهم.