كل من سمع من «المعارضة» عن قرار المحكمة الكبرى الإدارية إغلاق مقار جمعية «الوفاق» الوطني وتعيين مكتب الجمعيات السياسية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف حارساً قضائياً عليها وصفه بـ»الصادم»، والبعض اعتبره «مقوضاً للعمل السياسي في البحرين»، ودعا إلى «وقف إجراءات المس بالعمل السياسي والأهلي» كما جاء في بيان «قوى التيار الديمقراطي» الموقع من جمعيات «وعد» و»التقدمي» و»القومي»، بينما زعم من هم في الخارج سواء «أفراداً ومنظمات ودولاً» أن القرار يدخل في باب «التضييق على الحريات السياسية وحرية الرأي والتعبير»، وإذا عرف السبب بطل العجب، فما جرى كان عبارة عن «آخر الدواء»، ولو وجدت البحرين مخرجاً آخر يمكن أن يكون سبباً في إنقاذ الوطن مما جرى عليه ومما ينتظره بسبب سوء استخدام المتاح لما دخلت في هذا الطريق.
هو الكي إذن الذي لا دواء بعده، والرأي الذي اضطرت إليه الحكومة بعدما تبين لها أن من اعتقدت أنه أهل للاستفادة من الحالة الديمقراطية في البناء استغلها في الهدم وللإساءة إلى المكتسبات، وهو ما لا تستطيع «الوفاق» أن تنكره ولا يستطيع أن ينكره المتابعون لتطورات الأحداث في البحرين.
ما جرى كان متوقعاً، فتلك المعطيات لا بد أن توصل إلى هذه النتائج، وما تأخر الوصول إليها إلا بسبب حكمة القيادة السياسية التي ظلت متعلقة بأمل أن تنضج التجربة ويعي كل المشاركين فيها أن الأهم من تحقيق المكاسب الآنية والضيقة هو الارتقاء بالوطن وحمايته.
لا بأس أن يعتبر البعض أو حتى البعض الكثير في الداخل وفي كل العالم أن هذه الخطوة تدخل في باب التضييق على العمل السياسي، ولا بأس أن يقولوا كل ما يمكن قوله في مثل هذه الحالة، بل لا بأس حتى لو تمكنوا من تأليب المنظمات الدولية على البحرين، فهناك هدف أكبر وأهم يستحق أن تغامر البحرين من أجله، وهو حماية الوطن والحفاظ على مكتسباته وتصحيح المسار، فعندما يتبين للحكومة -أي حكومة- أن البعض الذي اعتقدت أنه يمكن أن يضيف إلى التجربة الديمقراطية ويغنيها لم يتمكن من تحقيق ذلك أو لم يكن بالكفاءة المتوقعة ومارس أفعالاً وأنشطة عادت بالسلب على ما كانت تطمح إليه ويطمح إليه المواطنون، بل وصارت تعرض الوطن للخطر، فإن الطبيعي هو أن تراجع نفسها وتتخذ من القرارات ما يضمن لها وقف الهدر ووقف النزف، ولا بأس أن يقول الآخرون ما يودون قوله، فمثل هذه الأمور لا تتضح للكثيرين إلا في وقت لاحق.
ما قامت به الحكومة -وكله ضمن القانون والدستور- كان طبيعياً ومتوقعاً، وهو واجب عليها لا تستطيع أن تتأخر عن أدائه وإلا صار الحق عليها، وما يجري حالياً من لغط هو بسبب ما اعتقده البعض أنه قرار قاسٍ، ساعد على ذلك الإعلام المتعاطف مع مثل هذه الجمعية وتمكنها من إيجاد طريق إلى المنظمات الدولية التي ديدنها الوقوف مع كل من هو ضد الحكومة.
أما القول بأن جمعية «الوفاق» «طبقت قانون الجمعيات الأهلية وكيفت أوضاعها الداخلية مع قانون الجمعيات السياسية وأودعت نظامها الأساسي لدى وزارة العدل» وغير هذا من إجراءات إدارية التزمت بها فكله يدخل في الشكليات، فما فعلته هذه الجمعية خلال السنوات الخمس الماضية يثير ألف سؤال وسؤال عن مراميها.
القرار «صادم» لكنه ضرورة ولا يدخل في باب «محاصرة عمل منظمات المجتمع المدني والجمعيات السياسية والحقوقية»، ولن «يزيد الأمور في البلاد تعقيداً»، ولن يعطل «عملية الإصلاح السياسي الذي ناضل من أجله شعب البحرين بكل مكوناته السياسية والمجتمعية». كما صار البعض يردد منذ صدور الحكم وتفعيله.