كل من زار جمهورية الصين سيجد حجم الأوروبيين الذين يتدفقون بمئات الآلآف يومياً إليها لشراء البضائع الصينية بأرخص الأسعار وأجود الصناعات، في الضفة المقابلة، لا تخلو مكاتب وزراء التجارة في الاتحاد الأوروبي وحتى أمريكا من البضائع الأمريكية، بل لا نستبعد أن تكون «بذلة» الرئيس الأمريكي باراك أوباما مصنوعة في الصين!
يحاول الغرب أن يشوِّه سمعة الصين السياسية، كما يحاول من جهة أخرى أن يحجِّم قوتها الضاربة في الأسواق التجارية العالمية لأسباب كلنا يعرفها، ومع كل هذه التحركات القوية ضد بكين، إلَّا أن الأوروبيين مازالوا يحجُّون إلى كعبة الصين الإقتصادية بشكل يومي لأنهم أدركوا أن الجمهورية التي تغزو العالم ببضائعها هي الحلم القادم، شاء من شاء وأبى من أبى.
إذا كانت الصين هي الدولة «الحلم» للشعوب وربما لبعض الحكومات الغربية، فكيف لا تكون هي وجهة العرب القادمة؟ وإذا كانت الصين هي «المستقبل» فلماذا لا نذهب جهة المستقبل بدل أن نتمسك بدولٍ تقليدية عظمى ربما تبيعنا بأرخص الأثمان مع أول اختبار نواجهه في حال طالبنا بحماية اقتصادنا وأمننا ومستقبل شعوبنا؟ أم أن الله لم يخلق في هذا البلد «العالم» إلا هذا الولد «أمريكا»؟
الصين ليست خياراً للعرب، بل هي الحقيقة التي يجب أن يدخلوها بسلام وطمأنينة بعد أن عجز الغرب عن حماية نفسه فضلاً عن حماية غيره من كل المخاطر الإقتصادية والسياسية وحتى الأمنية، فتحديات الأرهاب - على سبيل المثال - لا يمكن للغرب مواجهاتها بالبارجات الحربية أو بالقواعد العسكرية المنتشرة عبر القارات، بل تحتاج هذه المعركة إلى استراتيجيات مختلفة عن سابقاتها، ومن هنا فإن التحدي القادم هو تحدي حفظ الأمن واسترداده من يد الإرهابيين وليس الخوف من الحرب التقليدية والجيوش النظامية، أمَّا التحدي الأكثر عمقاً فهو التحدي الإقتصادي الذي مازال الغرب عاجزاً عن مواجهة التنين الصيني الذي بدأت تغزو بضائعه حتى البيت الأبيض.
ليس هنالك مجال للتفكير العربي فيما يتعلق ببناء المستقبل، فالصين مازالت تعتبر وجهة جيدة ومتقدمة للغاية بالنسبة إلينا، خصوصاً وأن كل المؤشرات القلقة بشأن ارتباطنا بالغرب تزداد سوءاً على أرض الواقع، كما أن المخاوف من خذلان الغرب لنا ولقضايانا المصيرية لم تتبدد بعد، فهنالك الكثير من الأمور العالقة والمتعلقة بالحرب على الإرهاب والنفط والأمن لم تحسم بعد، فالمنطقة العربية على صفيح ساخن تتمايل بين أزمات سياسية واقتصادية في الوقت الذي مازال الغرب يفكر في مدى سلامة تدفق النفط إليه، فهل يمكن أن نثق بجهة لا ترانا بالعين المجردة؟ أم نحزم حقائبنا باتجاه بكين وغيرها من الدول التي يمكن أن تكون حليفاً استراتيجياً أكثر واقعية من دول أكثر أنانية؟