بعد خمسة عشر عاماً من الانحرافات يلزم الآن إعادة الأمور في العمل السياسي لنصابها القانوني الدستوري، وهو الذي يجب أن يكون عنواناً للمرحلة المقبلة، وذلك من خلال مراجعة شاملة لما يعتري هذا «الحق» من انحراف طال ممارسات جرت خلال الخمس عشرة سنة الماضية.
أي «مجموعة» لها مرجعية غير دستور مملكة البحرين لا يمكن أن تؤسس حزباً سياسياً مادة يجب أن ينص عليها الدستور البحريني، نقطة ومن أول السطر، فالدستور البحريني حدد مرجعياته بنفسه، أي مجموعة تضع أي مرجعية دينية أو غير دينية لها الكلمة الفصل تمنع منعاً باتاً من العمل السياسي وتحرم من حقها في تأسيس حزب أو إصدار جريدة أو أي من الأنشطة المتعلقة بالعمل العام، هذا ليس أمراً غريباً أو بدعة بحرينية، بل هو شرط أساسي في أي دولة ديمقراطية، والتحايل والتلاعب بالألفاظ لا يعفيها من جرمها الذي تثبته الممارسة.
في الدستور الألماني في المادة 18 منه على سبيل المثال «كل استخدام للحق الدستوري للمساس بالمؤسسات الدستورية مؤداه سقوط هذا الحق وعدم الاعتداد به».
أي أن الحقوق بما فيها حق العمل السياسي ليست مصونة، والقلم مرفوع عنها بالمطلق، بل هي رهينة بمدى التزامها بالأسس الدستورية، فإن هي انحرفت عنها أو إن ألحقت ممارستها الضرر بمؤسسة دستورية، فإن هذا الحق يسقط عنها ويحجر عليها وتمنع وتوقف عن العمل به، ومن باب أولى تمنع من تأسيسه إن جاءت البداية على غير ما نص عليه القانون والدستور.
فلا يمكن للجماعات التي للمرجعية الدينية الكلمة الفصل في قراراتها أن تؤسس حزباً سياسياً، إذ أن الكلمة الفصل للدستور لا لأفراد أياً كانت منزلتهم، المرجعية المعتمدة في الفصل وفي إدارة اختلافاتنا هي الدستور البحريني فقط، أما التلاعب والتحايل على مسألة المرجعية بالقول تارة إن تلك المرجعية الدينية لازمة لنا للأمور الشرعية وإن الالتزام روحاني فحسب، وإن المرجعية تترك لنا الخيار إنْ نحن استشرناها، إلى آخره من التبريرات التي تضلل وتموه ولا تستقيم أبداً مع الرغبة في العمل السياسي العام وقياداته وتشكيل حزب يخوض الانتخابات ويدخل المجالس التشريعية أو الاتحادات النوعية أو أي عمل عام بما فيها العمل الإعلامي، فإنه يحظر عليهم العمل ما لم يكن الدستور مرجعية ملزمة للراغبين منهم في العمل في الشأن العام وممارسة حقوقهم. الفوضى العارمة التي انتابت الفضاء السياسي البحريني مردها كان السماح وغض الطرف بتعدد المرجعيات للعاملين في هذا الفضاء، حتى نادى البعض بأن تكون مرجعيتنا هي الاتفاقيات الدولية والعهود الدولية ووضعها في منزلة تعلو على الدستور البحريني والقانون البحريني، والترويج كذباً وزوراً بأن تلك قاعدة دولية عامة، وذلك ليس صحيحاً أبداً وقاد إلى تلك الفوضى الأمنية وسهل لها تجاوز وخرق القانون البحريني. تركنا المرجعيات الدينية تحدد للأحزاب السياسية الـ«نعم» والـ«لا» فيما يجوز وما لا يجوز سياسياً، وتركنا من يروج لعلو الاتفاقيات الدولية على الدستور دون تنبيه وتحذير بخطورة ترويج هذه المفاهيم الفاسدة، باختصار نحن الذين دسنا على الدستور والقانون وعثنا في العمل السياسي فساداً دون رادع ودون ضابط، ووقفت مؤسسات الدولة تتفرج على هذه الفوضى، ثم أفسدت سياسة تأليف القلوب جماعات ظنت أن الدولة فوضى ولا يحرس دستورها أحد فخرقت ألف قانون وقانون، بالصوت العالي وبالاستنجاد بالخارج وبالسفارات وبالمنظمات وبفوضى الشوارع وبالتهديد والابتزاز أي بالبلطجة السياسية أصبح لكل منا مرجعيته التي يحتكم إليها ولا يعترف إلا بها، فأمريكا أصبحت مرجعية للبعض والمنظمات الدولية مرجعاً للبعض الآخر وإيران مرجعاً والاتحاد الأوربي ووو.. فتح المزاد حتى أصبح «جو ستورك» رئيساً للسلطة القضائية البحرينية يهدد بالعواقب إن لم نغير أحكامنا القضائية!!
إعادة الأمور للنصاب الدستوري والقانوني وحماية هذا النصاب هي مسؤولية أناطها الدستور بجلالة الملك كما نصت المادة 33 ويحتاج اليوم أن نصحح المسار وأن نكون حازمين جداً في تبيانها وتوضيحها من جديد، بل لا بأس أن نبدأ من الأول، بمراجعة شاملة لأوجه الانحراف التي طالت هذا الفضاء في السنوات الأخيرة وتقديم قائمة بالأولويات التي تستدعي الحل وإعادة البناء من جديد، مهمة نلزمها للقائمين على إنفاذ القانون أولاً وللراغبين في ممارسة حقوقهم السياسية ثانياً، حتى نضع القاعدة الرئيسة في العمل السياسي التي سنبني عليها مستقبل البحرين على أسس سليمة مفادها أنه لا حق دون التزام، لا حرية دون ضوابط، وأن سقوط الحق وتقييد الحرية نتيجة حتمية لمن يتخطى الدستور والقانون البحريني.. والبحريني فقط.