تمر العلاقات العربية الأمريكية بمرحلة حساسة، بسبب التعاطي البطيء للإدارة الأمريكية وتهاونها في التعاون والتعامل مع ملفات متعددة منها الملف السوري، ومن قبله الملف النووي الإيراني، ثم ملف إقرار الكونغرس تشريعاً يتيح لضحايا هجمات 11 سبتمبر مقاضاة بعض الحكومات العربية، رغم أن القضاء الأمريكي سبق ورفض دعاوى ضد بعض الدول العربية أقامتها أسر ضحايا هذه الهجمات مستنداً في ذلك إلى أن الدول عامة لها حصانة سيادية من مطالبات بالتعويض من الأسر وشركات التأمين، وأخيراً ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقرير متحيز تدعي فيه أن بعض الدول العربية تتبني فكراً يشجع على العنف والتطرف الذي تتبناه بعض التنظيمات.
إن الافتراءات قد تزايدت في الآونة الأخيرة من الإعلام الغربي عامة خلال الفترة الماضية وكأنه سيناريو مخطط له ومحكم للضغط على الدول العربية، حيث وظفت بعض وسائل الإعلام الغربية لتشويه صورتها، ولا شك في أن تشويه صورة هذه الدول هو تشويه لصورة الإسلام والمسلمين في العالم أجمع، وبدا السيناريو خلال السنوات القليلة الماضية عبر حلقات متعددة تفتح فيها ملفات مثل الحريات وحقوق الإنسان والمرأة، بجانب محاولات الضغط على الأحكام القضائية التي اتهم فيها إرهابيون ونفذت بشأنهم أحكام قضائية عادلة، وأخيراً إقرار الكونغرس لمشروع قانون التعويضات سابق الذكر. والغريب أنه في المقابل ما من دولة عربية قد سمحت لنفسها التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة غربية سواء أوروبية أو أمريكية في قضايا سياسية أو حقوقية أو اجتماعية أو غير ذلك.
وقد فسر البعض الأسباب الأساسية وراء هذا الافتراء في أن هناك تقارباً وتعاوناً كبيراً قد حدث بين البلدان الفاعلة في المحيط العربي، بعد أن تعرضت بعضها لأحداث داخلية كادت أن تضر بوحدتها وتماسكها الاجتماعي، وهو ما أدى لتفعيل العمل العربي المشترك بالمعنى الحقيقي، وإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تم التبشير به في السنوات الماضية.
من ناحية ثانية، فإن المحللين السياسيين يربطون بين حملات انتخابات الرئاسة وكثافة الافتراءات فمع اقتراب العملية الانتخابية في الولايات المتحدة فإن تاريخ السباق الانتخابي يسجل ضرورة الإدارة بالأزمات وليس إدارة الأزمات حيث يتم استحداث دولة أو جهة خارجية يتخذها المتسابقون مجالاً للعب بعواطف الرأي العام، بهدف كسب المزيد من الأصوات ولعب دور البطل القومي الذي يعلي المبادئ ويسعى للحصول على الحقوق أياً كان موقعها على الأرض.
كما لا يخفي من ناحية ثالثة أن الدول الغربية ما زالت تمر بظروف اقتصادية صعبة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، مثلها مثل باقي دول العالم منذ 2008 ولم تلتئم آثارها بعد، هنا يأتي الضغط على الدول العربية كنوع من أنواع الابتزاز، ولكن بشكل جديد عبر فتح ملفات يتم استدعاؤها بين الحين والآخر.
وإذا كانت صحيفة «نيويورك تايمز» تتهم بعض الدول العربية بدعم العنف والإرهاب، وهو خطاب صحافي متكرر، فقد تناست أن الدول العربية هي من أكثر الدول التي عانت ويلات هذا الإرهاب وفكره المتطرف، وهي أكثر الدول التي قدمت طرقاً وأساليب لمعالجة الفكر المتطرف عبر قنواتها الفضائية ووسائل إعلامها المتعددة، والخطاب المنبري المستنير والرافض لأي فكر متطرف بجانب تنظيم العديد من المؤتمرات العالمية التي تدين الإرهاب والتطرف، كما أن الدول العربية قد بح صوتها من مناشدة الدول الغربية خلال العشرين عاماً الماضية محذرة من حماية بعض الدول الغربية للمتطرفين، ومنحهم حق اللجوء والإقامة على أراضيها.
إن الإعلام الغربي مازال عند الصورة النمطية التي بناها لعالمنا العربي منذ أكثر من خمسين عاماً، وصنفنا وفقاً لها على أننا عالم ثالث أو عالم متخلف وغض الطرف عن التحول الكبير في العالم العربي خلال الأربعين عاماً الماضية، والتي شهدت تقدماً سريعاً في الأبنية السياسية والاجتماعية، جعلتنا نقترب من العالم المتقدم في مجالات عديدة وولدت تجارب ديمقراطية جيدة رغم قصر عمرها مقارنة بعمر تجارب العالم الأول، والتي تزيد عن مائة عام، هذا بجانب مظاهر الحداثة المختلفة وبنية تحتية متقدمة وبناء مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة المختلفة على أساليب عصرية ورقمية، ووسائل إعلام متعددة الأنواع وكم هائل من الجامعات والمراكز البحثية متعددة التخصصات، والتي أفرزت تقدماً في مستوى بعض الجامعات الخليجية والعربية ووضعتها في التصنيف العالمى لأفضل 500 جامعة في العالم، بجانب أربعة من رجالات العالم العربي قد استطاعوا أن يحصلوا على جائزة نوبل.
إن هذا الظلم والافتراء على الدول العربية قد أثار ردود فعل كبيرة من داخل هذه الدول وخارجها، ودفع بعض المغردين العرب للرد على ما وصفوه بالاتهامات المغرضة ضدهم رافضين ما وصفوه بالمؤامرات التي تحاك ضد بلادهم ونفوا أي صلة للبلدان العربية بالإرهاب واعتبروها محاولات جديدة للابتزاز.
كما إن هناك أصواتاً عاقلة في الصحافة الأمريكية تخرج بين الحين والآخر، تخالف هذا التوجه، ففي السابق فقد حذرت صحيفة «USA TODAY» من قبل من سياسة اللين التي أصبحت ظاهرة في السياسة مع إيران، وأكدت أن هذا سوف يثير جميع حلفائها بالشرق الأوسط على حد سواء، وخاصة الدول الفاعلة في المنطقة والتي طالما لجأت لها واشنطن مع كل أزمة تتعلق بالمنطقة أو بالبترول.
إن هذه السياسة قد خلقت نوعاً من الشك في السياسة الأمريكية والإعلام الأمريكي جعلت العديد من الباحثين والسياسيين يقولون إن الغرب يضحي بأصدقائه ويفتري عليهم.. رفقاً بنا ولا داعي للافتراءات وتشويه الصورة فالعالم يسعي للتقارب لا التباعد والتفاهم لا التصادم.
* أستاذ الصحافة والإعلام