أكبر أخطائنا في 2011 هو سكوت الدولة عن الأسوار الإعلامية التي بنتها مجموعة «الولي الفقيه» لتجعل منابرها وحدها هي المتاحة للجماعة والمنابر الأخرى محرمة عليها، حتى إذا ما جاءت الدولة لمخاطبة الجماعة اليوم وجدت أن الأسوار أعلى من قامتها وأنها أكثر سماكة مما توقعت فعجزت عن إيصال رسالتها.
من كان يخاطب الشيعة قبل وبعد 2011 هم منابره الدينية، وقد سيطر عليها خطباء «الولي الفقيه»، ومنابره السياسية، وقد استحوذت عليها ذات المجموعة وصحيفتهم وهي من رأسها إلى أخمص قدميها من ذات المجموعة، في حين كانت الدولة بعيدة عن وجود منابر بديلة وخطاب بديل تخترق أسوار الجماعة، بل وسكتت الدولة وهي ترى تلك المنابر تبني السور الإعلامي تلو الآخر تحيط به جماعتها وتعزلهم عن خطاب الآخر وخطاب الدولة فحرمت عليهم زعاماتهم الدينية بفتاوى قراءة صحف ومشاهدة شاشة طوال الخمس سنوات السابقة، والخطأ الثاني أن الدولة لم تملك الخطاب البديل الذي يخترق هذه الكتلة الصماء المعزولة.
خطأ الدولة الذي لم تعالجه في 2011 أنها تغاضت عما يقوم به الجناح السياسي والإعلامي في عزل جماعة «الولي الفقيه» عن الواقع، إذ ليس هناك خطاب واحد من أي منبر لهم يدعو جماعتهم للالتفات إلى الدولة، بل حرص خطابهم الديني بتعزيز ثقافة الاضطهاد والمظلومية وخطابهم السياسي والإعلامي على إبقاء الجماعة تحت وهم مشروع التدويل وحلم التدخل الأمريكي الموعود!! رغم أن الدولة هي من منح الترخيص لتلك المنابر ومنحها كافة التسهيلات وعاملها اجتماعياً وسياسياً معاملة متساوية بل أحياناً مميزة بتغاضيه عن تطبيق القانون على مخالفاتها والتماس العذر لها عل وعسى تعمل على تجسير العلاقة بين الجماعة والدولة، إلا أنها عملت طوال ترخيصها على العكس وخطأ الدولة أنها اكتفت بالتفرج.
كرست كل جهودها لتعزيز ثقافة الاضطهاد والمظلومية وكرست مفاهيم وقيماً ومبادئ قانونية خاطئة مقلوبة ساهمت بمزيد من جدران العزل وبل وصل بهم الأمر قبل يومين بعد صدور الحكم بتعليق جمعية «الوفاق»، الترويج لخيار العمل السري للجمعية عبر إبقاء شبكة التواصل وتشكيل الخلايا من خلال مقال نشر قبل يومين بعنوان «أين ذهب حزب البعث في العراق بعد أن حله بريمر؟»!! حيث رسم لهم المقال نموذجاً للعمل الميداني استخدمه «حزب البعث» للالتفاف على قرار حله كخطة للمرحلة القادمة!! وسنكون من السذاجة أن نعتبر ذلك المقال جاء مجرد مصادفة مع حكم حل جمعية «الوفاق»!
هذه هي منابرهم الإعلامية تبقي على حالة العزل كخيار أوحد، هكذا تخاطب منابرهم الإعلامية الجماعة والطائفة بدلاً من خطاب الدعوة للعودة لحضن الوطن والاستجابة للدعوات الوطنية التي ترسلها القيادة بشكل يومي منذ أسبوع منتهزة أجواء هذا الشهر الفضيل قاصدة كسر هذا الحجز بينها وبين الجماعة، طالبة من تلك المنابر أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية والانفتاح على الدولة مثلما هي الدولة منفتحة على تلك المنابر حريصة في إيصال رسالتها أن الدولة تسعى لضبط القانون فقط، وأن الدولة تفتح الأبواب للجماعة وتطمئنهم بأنه لا استهداف لهم، وأن الحكم هو للقانون وعبر المؤسسات وأن التعددية إثراء وأن الحريات مصانة وأن التمييز مجرم ومحرم وأن التشدد والتطرف ممنوع من أي طرف كان وأن الجميع سواسية، إلا أن تلك الأجنحة السياسية والدينية والإعلامية مستمرة في غيها تعمل على منع وصول هذه الرسائل إلا في أضيق الحدود التي تعفيها من عقاب القانون لكن لا تعفيها من الأمانة والمسؤولية، فتنشر التصريحات الرسمية على استحياء وإبراء للذمة دون تعليق وحتى دون معالجة إعلامية تسهل وصولها، ولو كانت تلك تصريحاً لمسؤول أمريكي لوجدت العنوان والصورة والمقالات التي تعلق والتحليلات والصفحة الأولى والصفحات الداخلية وووو.
ولن تتمكن الدولة من الوصول للجماعة وتلك الأسوار قائمة والمنابر التي رخصت لها الدولة ومنحتها حق التعبير مستمرة في تضليلها دون أن تلزمها بتحمل المسؤولية الدستورية والقانونية.