قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «إن لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك». فما بالنا إذا كان كتاب «عطر الكلمات»، يفوح بالرائحة الزكية من آيات القرآن الكريم وأحاديث سيد المرسلين، وأقوال بعض العلماء والصالحين.
كتاب «عطر الكلمات» للأستاذ محمود شقير هذا العام، هو الجزء الثالث من هذه السلسلة العطرة، وهو يضم 5 فصول، الأول في حب الله، والثاني في حب الرسول، والثالث في العبادة، والرابع في الجهاد، والخامس بعنوان «حكم ومواعظ».
الكتاب تم طبعه على نفقة جامعة العلوم التطبيقية، ويوزع مجاناً كهدية، ولذا لا يسعني إلا أن أعبر عن الشكر للمؤلف وللناشر والدعاء لكل من يقرأ هذا السفر الصغير حجماً، العظيم قدراً ومكانة.
ولقد سعدت بالكتابة عن الأجزاء السابقة ونشرت جريدة «الوطن» مقالاتي عن ذلك، وها هو الجزء الثالث وبه عدد من الموضوعات الجديدة.
ومن هنا فلن استعرض الكتاب، وإنما أذكر بعض تأملات ذات صلة منها:
الأولى: ضرورة الترابط بين حب الله وحب الرسول، وهما متلازمان، فمن أحب الله لابد أن يحب الرسول، كما جاء في القرآن الكريم، هذا المعنى المرتبط بالحب وكذلك الطاعة الواجبة، وهذا اتصالاً بمفهوم الإيمان والتوحيد المستند على النطق بالشهادتين، شهادة الوحدانية لله سبحانه وتعالى، وشهادة أن محمداً هو رسول الله، مع التأكيد على أن لله المثل الأعلى.
الثانية: تتعلق بمفهوم الجهاد، وقد تعرض هذا المفهوم لاختلاف كبير نتيجة قصور تفكير بعض المسلمين من العامة وللأسف من بعض المتخصصين، وهنا أذكر ملاحظتين، الملاحظة الأولى، أن الجهاد بالقتال هو في حالة الحرب ضد الأعداء، وحالة الدفاع عن الوطن أو النفس أو العرض، فالإسلام لم يتحدث عن الجهاد إلا في هذا السياق، وحاشا لله أن يكون الجهاد للاعتداء على الاخر بأية صورة من الصور، ولهذا أكد القرآن الكريم رفضه للاعتداء على الآخر بقوله تعالى في سورة «الممتحنة» «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهِم إن الله يحب المقسطين»، «الآية 8». والملاحظة الثانية هي الخلط لدى البعض بين الجهاد وبين العدوان والحرب والتوسع، ونحو ذلك، والجهاد بريء من هذا الخلط بل إن الجهاد بالحرب العادلة كما أوضحها النبي الكريم هو أصغر أنواع الجهاد، أما أكبرها فهو جهاد النفس، كما قال الرسول عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم. ومن هنا فان المسلم الحق يتبرأ من أي صورة من صور الاعتداء على الآخر أو الإساءة له مهما كانت عقيدته أو جنسه أو دينه أو لونه. فالإسلام لا يقر أي نوع من أنواع التمييز بين البشر، مهما كانت الاعتبارات. وحسناً فعل الأستاذ شقير في تناوله لمفهوم الجهاد، إذ ركز في هذا الفصل على قضية محورية هي قضية فلسطين والقدس الشريف وما يتعرض له المسجد الأقصى من انتهاكات.
الثالثة: ترتبط بالفصل الخاص بالعبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج، وهذه بين العبد وربه، ولكن تأثيرها على العلاقات بين البشر جميعاً. ولذلك قال النبي الكريم:«من لم تنه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له»، ونفس الشيء بالنسبة للصوم. هنا نجد الشعائر ترتبط بالسلوكيات وبالقيم وبالتعامل بين الناس، إذن هي وسيلة من الوسائل التي تشيع المحبة والألفة والتعاون وتساعد في بناء المجتمع الصالح. ولذلك قال الله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، ومن هنا كان وصف القرآن للنبي الكريم بقوله «وإنك لعلى خلق عظيم»، وقوله «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وعندما سئلت أم المؤمنين وزوجة الرسول السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقه قالت «كان خلقه القرآن».
وهناك أفكار وحكم ومواعظ كثيرة في كتاب «عطر الكلمات»، نفع الله به المسلمين، بل نفع به عباده أجمعين، وأجزل الثواب لمؤلفه وناشره وسائر المسلمين، بل البشر أجمعين.