في خضم الصراعات الدولية المكشوفة وغير المغطاة بين الدول المتصارعة حول مساحة نفوذها وهيمنتها وقوتها واستملاك ما يمكن استملاكه من ثروات وخيرات، تبرز حقيقة واحدة لا نحب أن نسميها توارياً من المستقبل أو من الفائز في ختام هذا السباق المحموم ألا وهي أننا اليوم في حالة «حرب». لم ولن تكن هذه الكلمة مريحة للجميع، ولربما تشتد حساسيتها من طرف الشعوب قبل الحكومات، ولهذا استبدل المجتمع الدولي هذه المفردة بمفردات أخرى لا تستقيم وما نشاهده من حرب غير معلنة بين دولٍ تخادع نفسها أنها تعيش مرحلة اللاحرب!
البعض يعتقد أنها حرب لكنها بالوكالة وليست بالأصالة عن هذه الدولة أو تلك، لكن مهما تغيرت المسميات والمفردات فإن ما يعيشه العالم وليست المنطقة فقط هي «حرب» بصريح العبارة. حين نقرر أن هذه «حرب» فإن علينا أن نسير في الاتجاه المعاكس لها وذلك بتخفيف حدتها ووطأتها وضغطها على المجتمعات والدول والاقتصاد وغيرها من الأمور التي تتأثر بشكل مباشر من الحرب، كما من المهم أن تظل خطوط الرجعة كلها مفتوحة وعلى كل الاحتمالات الأخرى بين الدول من جهة وبين الدول والمجتمعات من جهة أخرى، فقطع كل الطرق وتضييع كل الفرص ليس بالقرار الصائب عند الحرب، ففي السياسة من هو عدوك اليوم ربما يكون حليفك بالغد، ومن يكون حليفك ربما يكون عدوك، لأن ميزان الواقع السياسي يرتكز على قيم المصالح وليس القيم الأخلاقية في الغالب.
في ظل الظروف الدولية المشحونة بالحرب والكراهية والقتل والدمار، يكون من المهم أن يصدح ويرتفع صوت العقل حتى وإن كان ضعيفاً أو غير مسموعٍ في ظروف ارتفاع صوت طبولها، وحين نتكلم عن العقل فإننا حتماً نتكلم عن العقلاء أيضاً، فليس هنالك من حكمة سياسية تسيح في الأرض المحروقة من دون وجود حكماء، ولهذا فإن على العقلاء اليوم أن ينشطوا في سبيل إقناع الدول والمجتمعات بالتحلي بالصبر والحفاظ على كل المكتسبات التي تحققت بعد معاهدة «سايكس بيكو» الأولى على الرغم من أوجاعها، وإن كان هناك من أمل لثمة تغيير قادم فليكن مرهوناً بالمكتسبات وليس بتضييعها في حالة انعطافة خطرة تمر بها هذه المنطقة على وجه التحديد. فالعقلاء من السياسيين والدينيين هم صمام الأمان الأخير لكل معترك قادم، فهم القادرون على تحييد الحرب وصناعها، وهم من يملكون مفاتيح الحل للأزمات التي تشتعل وسط مجتمعات لا تستمع إلا إلى صوت أنفاسها المضرَّجة بالدم والكراهية، فهل آن الأوان لأن يبرز هؤلاء من أماكنهم حتى ولو كلفتهم هذه المهمة سمعتهم وحياتهم؟ أم سيظل حكماء الأوسط تحت ركام الرماد والحرب والدماء حتى نفاد خزانات «البترول»؟
«للحديث بقية»