منذ بداية الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس وامتداداً للدولة الأيوبية وعهد صلاح الدين الأيوبي الذي وقف سداً منيعاً في وجه الصليبيين، والغرب يسخر كل جهده وطاقاته البشرية والعسكرية لنشر نفوذه الاستعماري وفكره من أجل السيطرة على العالم العربي برمته.
وبعد أن فشل في اقتحامنا بجبروت سلاحه، تمكن من الهيمنة علينا بقوة الكلمة والعلم والمعرفة. وبعد أن كان يسخر جيوشه وأساطيله لاقتحامنا، نحن من فتحنا له أبواباً استقبلناه منها، عندما ركبنا البحار لنتجرع من نهر فكره الحضاري وتمدنه بحثاً عن العلم في أوراق دونها العرب لكن استطاع الغرب بسيطرته أن ينسبها إلى نفسه.
لنعترف بهذا بأن «الفكر الغربي» بكل مساوئه لم يقتحم مجتمعاتنا العربية ودخلها عنوة، وإنما نحن من استقبلناه وهللنا وطبلنا له، والذي أخذ حيزه المتفرد منذ انطلاقته الفعلية من اتفاقية «سايكس بيكو» عام 1916، والتي قامت على تجزئة المنطقة العربية ووضعتها ضمن إطار جغرافي محدد، وذلك للحيلولة دون الاندماج القومي والاجتماعي بين الشعوب وتحقيق الفجوة الاقتصادية والفكرية، وذلك بالمختصر تطبيق مبدأ «فرق تسُد». فكل تلك التداعيات إلى يومنا هذا كانت كفيلة بأن تهز الشخصية العربية والإسلامية عند ضعفاء النفوس، مما دفعهم لتشكيل زمر تنسب نفسها إلى الإسلام كتنظيم الدولة «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية التي تقترف أفعالاً لا تمت للإسلام بصلة.
ومع كل الحروب الموجهة لغزو الفكر العربي الإسلامي، إلا أننا نجد هذا الدين القيم يشكل قوة عظمى، تشعر أعظم الدول الأوروبية كفرنسا وإيطاليا وهولندا وغيرها، بالتهديد والخوف من انتشاره، وهو ما بث روح الخوف لدى قياداتها، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي السابق نيوكولاي ساركوزي إلى إقرار قوانين وأحكام في 2010 من أجل منع ارتداء الزي الإسلامي بحرية كالحجاب والنقاب وغيرها الكثير وذلك لتخوفه من تسويق الدين الإسلامي على أراضي بلاده بالرغم من تواجد 6 ملايين مسلم. واليوم فإن الحكومة الفرنسية تنظم سياساتها الداخلية وتسن قوانينها وتسخر جل طاقاتها لتقف سداً منيعاً في وجه هذا التغيير لتركيبتها الديمغرافية وهيكلتها الخارجية.
فرنسا التي تعتبر نفسها بلد الحريات وانتفضت على الظلم والإقطاع وناشدت تحقيق المستويات الاجتماعية من خلال ثورتها، فرنسا التي تعتبر ملتقى الشعراء والمفكرين والأدباء والفنانين، ها هي اليوم تخاف من الزحف الإسلامي القادر على قلب موازين القوى لصالحه، والذي تعتبره تهديداً في أن تتحول فرنسا إلى جمهورية إسلامية كما يدعي البعض. إلا أن الحقيقة تقول إن هذا الأمر ليس هدفاً أو مطلباً من مطالب المسلمين، ولكن على المنقلب الآخر، فإن الإسلام في أمس الحاجة إلى فرسان الحق والكلمة، إلى أصحاب العلم والمعرفة إلى من هو قادر على أن يواجه الحجة بحجة علمية، منطقية وعقلانية. فالإسلام ليس دين سلاح ولا قتال كما يزعم الأفاقون. الإسلام «كلمة حق» تملك قدرة على تحطيم أكبر معاقل الصهيونية، ولكن ينقص المسلمين أمر واحد «الإجماع».
قبل أن نطمح لتغيير معالم جمهوريات غربية برمتها، الأجدر بنا أن نتحد جميعاً كعرب بوجه الاعتداءات التي تمارس على دول وشعوب هي أقرب إلينا مكانة وديناً وعرقاً ونسباً.