نعود لنتكلم من جديد عن أهمية أن يتدخل الحكماء والعقلاء من القوم لحل كل النزاعات الاجتماعية والسياسية في كل مكان يشهد بعض الاضطرابات المختلفة، فهذا ليس من باب إبداء الرأي أو أن نطرحه هنا كأمنيات واستجداءات للوصول إلى حل قد يرضي هذا الطرف أو ذاك، كلا، بل هذا الذي يجب أن يكون لأنه بات عرفاً من أعراف المجتمعات الرصينة والمتقدمة. كذلك، في هذه المجتمعات المتحضرة يجب أن يُحترم رأي الحكماء والعقلاء للوصول إلى نتائج إيجابية قد تخدم كل السلطات والتي من ضمنها سلطة الشعب.
لا يجوز أبداً أن يُوكل أمر المجتمعات في ظل هذه المرحلة الراهنة والحساسة إلى أفراد متهورين أو متحمسين أو ربما حتى غير عاقلين لإدارة الأزمات بطريقة عاطفية ساذجة قد تكلف الناس الكثير، فالمجانين لا يمكن أن يعالجوا قضايا الأرواح والدماء والممتلكات وإدارة شؤون المستقبل بالطريقة المُثلى، كما لا يجوز للمجتمعات أن توكل أمرها إلى هؤلاء المجانين الذين لا يعرفون ولا يدركون حجم المشكلة أو المرحلة، فيقومون بطرح الخيارات الصلبة في مقابل الانفتاح وتقديم بعض التنازلات من هنا وهناك لإحداث حالة من التوزنات المطلوبة من كل أطراف الصراع السياسي وغيره. أما التمسك بأحد طرفي العصا فإن ذلك لن ينتج حلاً مهما زُيِّن في عيون الناس. حين نتكلم عن أزمات تعصف بأي وطن من الأوطان، لا يمكن أن نحشر المجانين ليكونوا من أركان الحل، فكيف إذا أفلست المجتمعات من الحكماء أو صمت العقلاء ليكون المجنون هو الحل؟!
نحن نؤكد على أمرين في غاية الأهمية، الأول هو الدفع باتجاه إلزام حكماء المجتمعات الموتورة بأن يتدخلوا كالحصن الآمن لتخفيف حدة التوترات الحاصلة من أجل مستقبل أكثر رصانة من واقع متحرك باتجاه النار. أمَّا الأمر الثاني فيجب إلجام غير العقلاء كالمجانين وغيرهم وإسكاتهم لأنهم أكثر الفئات تأزيماً للأوضاع، ولو كانوا يملكون مصير تلك المجتمعات أو بقدر ما يملكون من رصيد خاوٍ في نفوس الناس، فالحكمة هنا تلزمنا أن نقدِّم العقلاء في المشورة والتدبير بعيداً عن كل أشكال اللحظة الانفعالية التي تكلفنا الكثير من الخسائر فتعود بنا إلى المربع الخاسر، وهذا لن يكون إلَّا من خلال أن نفعِّل حراك العقلاء وتحييد المجانين الذين لا يستخدمون عقولهم في رسم خارطة طريق منجية والخروج من الواقع المظلم بأقل التكاليف. فهؤلاء يتحركون وفق أفق ضيق أو مصلحة عابرة لا علاقة لها بمستقبل الناس. أيها العقلاء، هذا هو دوركم الحقيقي في ظل الأزمات، وهذه مرحلتكم، فإن صمتم عن معالجة الواقع، فإنكم وبصورة أخرى تركتم فراغاً كبيراً لن يملأه سوى المجانين، وحينها ستكون كلفة الفاتورة باهظة للغاية، وسيدفع ثمنها الناس كل الناس، حتى نحن وأنتم.