التغيير سمة الحياة، والتغيير مطلوب من أجل التطوير والتأسيس للأفضل. هذه قواعد ثابتة لا نختلف عليها، لكن ما قد نختلف عليه هو بواعث هذا التغيير أو مسوغاته.
أي تغيير تحت ضغوط مسألة مرفوضة، لأنها عمليات لا تتم وفق قناعة راسخة وهناك ما يؤثر فيها، وبالتالي التغيير لن يأتي بثمار إلا شكلياً.
أما إن كان التغيير مبنياً على قناعة وثقة بأنه هو الخيار الأنسب في جميع الأحوال باعتبار أن أساسه أولاً وأخيراً الصالح العام، أي صالح الدولة والمواطن، بغض النظر عن أية أطراف معينة، فإن هذا النوع من التغيير هو المطلوب والمفترض تأييده.
جميل أن أغير إلى الأفضل، لكن الأجمل أن يكون التغيير مبنياً على دروس مستفادة، وعلى عبر مستخلصة، وعلى تجارب فيها إخفاقات معينة أو فيها سلبيات، بحيث يأتي التغيير ليصلح الأخطاء، ويأتي ليكون بداية تطوير ونجاح.
قلتها لأكثر من مسؤول كبير في الدولة بأن الأزمة التي عصفت بنا فيها دروس، ودروس قاسية جداً، لكنها دروس لا تعني المواطن البسيط في مقام أول، بل تعني في الأساس الدولة، تعني نظامنا الذي نحب رموزه ونواليهم وندافع عنهم كل يوم، وتعني صناع القرار في كل قطاع.
علينا أن ندرك أن الأخطاء واردة في أي مكان مهما صغر أو كبر، في دولة، أو في مؤسسة، أو وزارة، وحتى في البيوت التي لا يعلم سرها إلا الله، لكن نوعية الأخطاء هي التي إما تترك تأثيراً طفيفاً أو تتسبب بتأثير كارثي، وهنا نتحدث عن «الأخطاء الاستراتيجية» التي يمكن لها أن تحدث كارثة كبيرة تؤثر على دولة وكيانات وتفرز تداعيات لا يحمد عقباها.
لنبتعد عن العموميات ولنضع يدنا على الجروح هنا، إذ بقدر ما قدمته الدولة من جهود وخدمات وبقدر ما حققته من إنجازات ومكاسب للناس والمقيمين، وبقدر ما كانت نموذجاً راقياً لدولة تتحول إلى الديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان وكل هذه المسائل، بقدر ما كانت هناك «بعض» من الأخطاء الاستراتيجية التي أثرت عبر تجمعها مع بعض في الدولة نفسها، بحيث بتنا نرى «السوس» ينخر في جسد الدولة وتحديداً في أطراف معينة.
انهيار أي كيان سببه المنطقي يرتبط بالأدوات التي تعمل فيه وخاصة تلك التي تملك قوة اتخاذ القرار، وفي بعض قطاعاتنا كان وجود بعض المشكوك في ولائهم، وبعض من لا نتوانى عن وصفهم بـ»خونة الوطن» نظراً لمواقفهم وتصرفاتهم «المخجلة» إبان الأزمة، كان وجود هؤلاء سبباً في «وهن» هذه القطاعات، وتحولها إلى «بيئة خصبة» حتى «تعشعش» فيها السكاكين والخناجر.
أرجع إلى مسألة الاستفادة من الدروس، إذ بان واضحاً لدينا خلال الأزمة أن منح الثقة لبعض الشخصيات تسبب لنا في تداعيات سلبية، والمشكلة هنا ليست في عملية منح الثقة، إذ نعرف تماماً حسن الظن عند قادة البلد ونعرف تماماً سماحة النظام وعدم تفريقه بين أبنائه، بل وصوله لدرجة «الغفران» لمن أجرموا في السابق عبر منحهم الفرصة تلو الأخرى، المشكلة في كون بعض هؤلاء ليسوا أهلاً للثقة، والسبب بسيط جداً، إذ ليست البحرين أكبر همومهم، وليست المصلحة العامة هدفاً صادقاً يعملون من أجله، بل أجندتهم وأهدافهم الخاصة هي ما تحركهم.
إن كنا نريد التغيير والمضي في طريق الإصلاح، فعلينا أولاً إصلاح الأشخاص، ونعني بذلك البحث عن الوطنيين المخلصين الذين إن تولوا منصباً أو كرسياً هاماً، سواءً وزراء وشوريين ومسؤولين أياً كانوا، فإن همهم البحرين أولاً وأخيراً، وحرصهم على المال العام يفوق حرصهم على أموالهم الخاصة، والذين لا يمتلكون أجندات يعملون من أجلها، فقط البحرين ومصلحتها هي الأجندة الوحيدة والمعلنة.
والله سقطت حضارات وزالت دول حينما تمكن المشكوك في ولائهم من مسك زمام الأمور، وحينما قضوا فترات يسنون سيوفهم في الخفاء بانتظار لحظة استعمالها ليغمدوها في جسد الدولة التي أكلوا من خيرها وتنعموا بكل مزاياها.
هل عملية البحث عن المخلصين صعبة إلى هذه الدرجة؟! والله لا نعتقد، فأبناء البحرين المخلصون كثر، وموجودون وبانوا في وقت الشدة والأزمات، خاصة أولئك الذين رابطوا في مواقع العمل وأبوا أن تصل البحرين إلى مرحلة «الشلل».
مثلما في كرة القدم يوجد كشافون للمواهب، الدولة محتاجة اليوم إلى أشخاص وطنيين يتولون مهمة اكتشاف المخلصين، الذين هم سيكونون أدوات التغيير إلى الأفضل، والذين سيعملون من أجل البحرين لا لأجل شيء آخر.
تصحيح المسارات والتصدي للأخطاء، يحتاج دائماً تجديداً للصحوة تجاه الإصلاح، والأهم أن تكون صحوة أسرع وأقوى.