هناك مفاهيم لابد أن يتم تصحيحها في الواقع البحريني اليوم، وبشكل عاجل، إذ باتت تستخدم بتكرار غير مدروس، لتوحي بأنها هي الواقع المطبق على الأرض.
نتحدث هنا عن تفسير التصريحات الأخيرة للمسؤولين في البلد والمتعلقة بالوضع القانوني والأمني، والتي ينقلها البعض عنهم، سواء في الإعلام المطبوع أو حتى في المجالس بأن تطبيق القانون هو عنوان المرحلة القادمة، أو أن القانون على الجميع دون استثناء، وغيرها من التوصيفات التي مفادها بأن «القانون سيطبق بكامله الآن».
أولاً، علينا أن نعي خطورة هذا القول، إذ التسليم بأن القانون سيبدأ إنفاذه اليوم، أو بعد الأحكام القضائية بحق جمعية «الوفاق» والجمعيات الأخرى الضالعة في ممارسات غير قانونية أو مشبوهة، أو بعد القرارات المعنية بسحب جنسية عيسى قاسم، التسليم بأن القانون «بدأ» تطبيقه بعد هذه النقاط، هو تسليم خاطئ تماماً، ويسيء للبحرين كدولة مؤسسات وقانون.
إذ من قال أصلاً، بأن القانون في البحرين «توقف» أو تم تجميده أو تعطيله؟!
القانون في البحرين موجود ويعمل به، ويكفله الدستور، ويكفله الالتزام الأدبي الأول من قبل رأس السلطات الثلاث جلالة الملك حفظه الله، فالثابت بالتالي أن البحرين دولة قانون، وأن القانون يطبق ولا يعطل.
الناس في تفاسيرها لعملية إنفاذ القانون قد تقع هنا في اللبس، خاصة في ظل وجود حالات وقضايا وأحداث، يرى الناس بأن «العدالة» فيها تقتضي التعامل «السريع» واتخاذ إجراءات «أسرع»، وفي النهاية وهو المهم «إنفاذ» الأحكام دون تأخير أو تأجيل.
هنا النقطة الهامة التي يغفل عنها الكثيرون، وهي أساساً نقطة تجعل مملكة البحرين تمتلك فيها نقطة تفوق على كثير من الدول، الغربية منها على وجه الخصوص، وهي المعنية بالقضاء ودرجات التقاضي ومدد القضايا.
يعرف ما أقوله المحامون على وجه الخصوص، حتى أولئك الذين يترافعون في قضايا تمس الأمن الوطني، أو مسكوا ملفات معنية بقضايا عاشتها البلاد في فترة انقلاب 2011، أو معنية بالشخصيات الضالعة في مخطط الانقلاب أو عمليات الإرهاب والقتل وممارسات التحريض ومناهضة الدولة.
تركيبة النظام القضائي في البحرين، تضمن في أساسه إحقاق مبدأ العدالة، ومنح المتهم كافة سبل وأوجه وأجواء ضمان محاكمة عادلة، وأكثر فرص للدفاع والترافع، حتى وإن كان الجرم مثبتاً، والقضايا ثابتة وراسخة.
بالتالي تطبيق القانون في البحرين لم يتوقف ولم يتعطل، بل ربما القضايا تطول مددها، ربما استكمال جوانب أي قضية أو إدعاء بحيث يتم استدعاء المتهمين أمام النيابة أو القضاء، هي الأسباب الرئيسية في عدم خضوع بعض الشخصيات لمدة طويلة أمام المحاكم رغم ممارسات حصلت في السابق.
لكن أن نقول بأن الآن سنبدأ تطبيق القانون، فهذا قول خاطئ يجانب الصواب، إذ لو كان الأمر صحيحاً بشأن هذا التوصيف، لكانت البحرين تعيش فوضى ما بعدها فوضى، لكننا في غابة بلا أعراف ولا قوانين منذ اليوم الذي تجمع فيه الانقلابيون في الدوار، أو منذ اليوم الذي نصبت فيه منصة «باقون حتى إسقاط النظام».
أصلاً لو كانت البحرين بلداً لا يطبق القانون، لنجحوا في مخططهم، ولاستمروا في مساعيهم، ولحولوا بلادنا إلى شبيهة بالعراق، لا أمن ولا أمان، ولا ضمان لحياة الناس، بل انتهاكات للحقوق، وسلب للأموال، وقتل للبشر.
البحرين بخير لأنها دولة قانون، ولأنها طبقت أصلاً القوانين المعنية بالسلامة المجتمعية وحماية الأمن القومي، فمفهوم القانون لا يعني فقط ما يصدر عن القضاء وتطبيقه، بل يتعدى ذلك ويصل لحزم قوانين عديدة معنية بتنظيم الحياة العامة، وإنفاذ الحق للأجهزة الأمنية بالدفاع عن الأرض والناس وحماية الممتلكات العامة والتصدي للإرهابيين.
وعليه التعديل على التوصيف بشأن القانون يمكن أن يطرح بصيغته الصحيحة، بأنه لا أحد فوق القانون، وأن كل من يتطاول على قانون البلد سيكون مسائلاً أمام هذا القانون، وأن الجهود الأمنية وغيرها من جهود ستكثف لضمان حماية القانون ولضمان تطبيقه والاستمرار في العمل بناء على مضامينه.
هناك دول تتجاوز القوانين حينما تصل الأمور لتهديد أمنها القومي، أو ظهور جماعات هدفها قلب النظام وتحريض الناس عليه، في تلك الدول لا يملك القانون «مساحة زمنية» أصلاً ليأخذ مجراه المنطقي والطبيعي، تجد الناس يحاكمون خارج المحاكم، وتصدر بحقها أحكام هي ليست في القانون، تجد المعارضين يشنقون في الشوارع بدون محاكمات وبدون محامين وبدون أي اعتبار لصراخ أي من جمعيات حقوق الإنسان أو الأنظمة الغربية، في تلك الدول أصلاً «يداس» القانون ويمكن تعطيله بسبب «مزاج» صناع القرار، وليس في البحرين.
لو أرادت بلادنا أصلاً تجاوز القانون مثلما تفعله بعض الدول كإيران وسوريا والعراق وحتى في حالات بأمريكا، لما سمعتم صوتاً معارضاً واحداً، ولا جملة تحريض مبتورة.
القانون في البحرين هو سيد الموقف، لم يتعطل يوماً، ولم يتم تجاوزه، بل هو يطبق بنصوصه وبالدواعي الإنسانية التي في مضامينه، لدرجة أن القانون بات يضمن للمجرم حقه العادل في الدفاع عن نفسه، رغم ثبوت إجرامه.
العدالة الحقيقية هنا، والقانون المنصف هنا، ورغم ذلك ما أكثر أصوات الجاحدين الكارهين للبحرين الغالية.