الحقيقة التي تبينتها «المعارضة» أخيراً هي أن الإدانات والشجوب والاستنكارات الدولية من الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة كانت خجولة، لكن تفسيرها – كما جاء على لسان بعض منتسبيها في المقابلات التي أجرتها معهم الفضائيات التي لها فيها موطئ قدم – لم يكن موفقاً، ذلك أن أصحابها لم يحرصوا على صياغة بياناتهم وتصريحاتهم بالطريقة التي ظهرت بها لأنهم حرصوا على أن يمسكوا العصا من الوسط، فهذا غير صحيح، وإنما فعلوا ذلك لأنهم يعلمون أن الانحياز لموقف «المعارضة» فيه ظلم لأنفسهم طالما أن خطوات الحكومة لم تتجاوز الدستور والقانون، ولأن التجربة علمتهم أن هذه «المعارضة» لا يعتمد عليها ويمكن أن تتسبب في إحراجهم لو وقفوا إلى جانبها، فالدول لا تقف مع من يفتقر إلى القدرة على العمل السياسي، ولا تقف مع من لا يستطيع التحكم في الشارع أو يترك الشارع ليتحكم فيه ويديره.تجربة السنوات الخمس الماضية أثبتت للعالم كله أن «المعارضة» ليست في المستوى الذي يمكن الوقوف إلى جانبه، ويكفي دليلاً أنها أضاعت الكثير من الفرص التي لو اقتنصتها في حينها لما وصلت إلى الحال التي هي فيها الآن ولما حدث كثير من الذي حدث.من التصريحات المثيرة التي أدلى بها بعض قياديي «المعارضة» أن السلطة تعيش هذه الأيام نشوة الانتصار وأنها لهذا لا تسمع من أحد، وبالتالي فإنها على غير استعداد للتواصل مع «المعارضة»، وتريد أن تنتهي القصة بأكملها لصالحها. أما القول بأن هذا التصريح مثير فلأنه أصاب كبد الحقيقة، فالسلطة في البحرين انتصرت وهي تعمل اليوم من منطلق أنها منتصرة وأن «المعارضة» مهزومة، وبالتالي فمن غير المعقول أن تمد يدها إلى من عضها ودعا عليها بالكسر. ولأن هذا الانتصار جاء بعد عمل دؤوب لذا صار من حق السلطة أن تفرح به وأن تعض عليه بالنواجذ، وصار من حقها أن تواصل في فرض إرادتها ووضع نهاية لحالة الاستهتار وأعمال الفوضى والتخريب بالطريقة التي تراها، لتتمكن من مواصلة مشوار البناء والتنمية.اليوم ليس أمام «المعارضة» على اختلافها سوى أن تستجيب لصوت العقل والمنطق وتدرك أنها وصلت إلى طريق مسدود وأن عليها – إن كانت لا تزال مصرة على تنفيذ ما في رأسها – أن تحاول مرة أخرى! اليوم تقف السلطة في خانة المنتصر، ومن يقف في خانة المنتصر من الطبيعي أن يفرض شروطه ويلزم الآخرين بها، بينما من يقف في الخانة الأخرى ليس عليه سوى أن يعترف بهزيمته ويقر بانتصار من سعى إلى الانتصار عليه وأن يتعايش مع الوضع الجديد.المواقف الخجولة لدول العالم ومؤسساته لم تأت من فراغ، فلا توجد دولة يمكنها أن تثق في «معارضة» قرارها ليس بيدها ويسهل على الآخرين تحريكها، ولا يوجد مؤسسة عالمية يمكن أن تثق في «معارضة» تلفظ أنفاسها الأخيرة ومع هذا لا تزال دون القدرة على استيعاب الدرس.الأفضل من انتظار المواقف غير الخجولة من دول العالم أياً كان وزنها هو النظر إلى الأمور بواقعية ومراجعة النفس والتكيف مع المعطيات الجديدة، فهذا هو طريق العقل، وهذا قرار من يسعى إلى الارتقاء بالوطن والمواطن. ما ينبغي أن تهتم «المعارضة» بالنظر فيه جيداً هو أن الجمهور الذي رفعت شعار الدفاع عنه والانتصار له لم يعد يحتمل أخطاءها ولم يعد قادراً على رؤية مستقبل أبنائه وهو يضيع أمام عيونه، كما أن عليها أن تتأكد من أن المظاهر التي تسود الشارع هذه الأيام سببها العواطف المنحازة إلى قدسية العمامة، وأن مثل هذه العواطف لا يمكنها الاعتماد عليها لتحقيق أهدافها وتطلعاتها.