حجم المخطط الذي يستهدف البحرين بات يبدو واضحاً جداً، إلى درجة تستوجب على من كان يظن بأن بلادنا مستهدفة «فقط مستهدفة» تستوجب عليه إعادة النظر.
البحرين ليست فقط مستهدفة، بل هي «الهدف الأول»أو «الابتدائي» في المنطقة، بحيث أصبحت «الغاية» التي يطمح أعدائنا للسيطرة عليها لتكون محطة إنطلاق لهم.
إن كانت البحرين تحتضن مقر الأسطول الخامس الأمريكي، فإن المخطط الذي يستهدفها يضع على رأس أولوياتها، في حال السيطرة عليها، أن تكون مقراً لـ»مشروع التمدد الصفوي» في قلب الخليج العربي.
لذلك، فإن الخطوات التي قامت بها مملكة البحرين مؤخراً، من خلال صدور أحكام من المؤسسة القضائية بحل جمعية «الوفاق» التي تتحمل المسؤولية عن شرخ المجتمع طائفياً، وتأجيج عملية الانقلاب في الدوار، وتشويه صورة البلاد خارجياً، وتهديد النظام باستخدام السلاح، والتطاول على القانون، واستهداف رجال الأمن، وجمعية «التوعية» التي تكشفت معاملاتها المالية المشبوهة، والملايين الموجودة في أرصدة مؤسسها والقائم عليها، وارتباط ذلك بمخططات تمويل الإرهاب الداخلي، وثالثاً إسقاط جنسية مرجع الجمعية الولائية وممثل خامنئي في البحرين عيسى قاسم، كل هذه الخطوات كشفت حجم المخطط، من خلال أعداد الصارخين ألماً، والأهم مواقعهم على الخارطة السياسية.
منذ صغرنا، نعرف تماماً بأننا مستهدفون من إيران، وأن البحرين هدف لن يتزحزح موقعه المتصدر أجندة المشروع الصفوي، لكن ما كنا ننساه كثيراً، بأن نواياهم التي في قلوبهم وتصل كثيراً إلى ألسنتهم بشأن بلادنا، لم تقتصر على التمني قط، بل كان هناك عمل على امتداد عقود، كانت هناك مصانع إيرانية تعمل لتنتج عملاء وموالين لها و»مغسولي أدمغة»، وأناساً يتم اللعب عليهم باسم المذهب والدين، يتم تطويع إرادتهم ليصلوا لمرحلة عبودية وتبعية مطلقة لإنسان فقط لأنه يحظى بمرتبة دينية ويسمي نفسه «روح الله» أو «حجته» أو غيرها من المسميات التي ابتكرت لإضافة «الهالة القدسية» على الشخوص، ووضعهم في مرتبة الأنبياء.
ما نشر خلال اليومين الماضيين من مخططات لها امتداد زمني، وعمليات مشبوهة على الأرض، وأموال تدخل وتخرج، يمكن أن يكون كشفاً جديداً يضاف لما نعرف من عمليات قام بها الإيرانيون وأتباعهم لأجل استهداف البحرين، لكن الجديد هنا والخطير أيضاً بأن هذه العمليات تمت بطريقة سلسلة دونما «اعتراض طريق» من قبل الجهات المعنية، ما يفهم أنها حصلت إما بأساليب ملتوية لم يتم كشفها أو ضبطها، أو تمت أمام العيون وعدت ومرت بهدوء، وفي كلا الحالتين المشكلة موجودة، إذ لا يمكن القبول إطلاقاً بأن يحصل ذلك والجهات المعنية تتفرج.
لكن نقول، خيراً أن تصل متأخراً من ألا تصل أبداً، ومع ذلك فإن المطلوب اليوم حزم أكبر، لأن عملية التأسيس للطوابير والعملاء، وعملية التفريخ لعقول مؤدلجة أخذت كلها حيزاً من الزمن، بالتالي لديها مخرجات كبيرة في الرقم، من شأن شحنها وتحريضها ودفعها لارتكاب الأفعال، من شأن ذلك الوصول بالبلد لمرحلة صدامات ومواجهات.
ما حصل في الدراز خلال الأيام الماضية، وبعضه مستمر لليوم، كله يكشف حجم التغلغل الذي وصله هؤلاء داخل نفوس البشر، تغلغل بشع استغل اسم الدين والمذهب، ووصل إلى درجة طمس لدى الناس انتماؤهم وهويتهم لوطنهم، وقدم عليها الانتماء لأشخاص وأفراد وجماعات، والحقيقة تقول إن هؤلاء البشر الذين مسكوا نواصي البشر باسم الدين والمذهب، هم من أبنائهم متنعمون بالخيرات والأموال التي تجمع من عرق الناس وباسم الزكاة وغيرها من الالتزامات الدينية والمذهبية. وللأسف الناس يعرفون ذلك، يعرفون أنهم يتحولون في كثير من المرات لوقود محرقة أو أوراق لعب، لكنهم يؤثرون البقاء في ظل هؤلاء تجار الدين، لأن غرس الكراهية في قلوبهم ضد النظام أثمر لأنه زرع فيها منذ زمن طويل.
لو استمر ترك الأمور على ما كانت عليه، فإن المشكلة مستقبلاً ستكون أكبر، وعمليات غسيل الأدمغة والتجنيد والأدلجة كلها ستكون وصلت مراحل متقدمة، ولأصبحت البلد بلا قانون يحترم، ولا نظام يتبع، لذلك كنا نقول دائماً إن خيار البحرين اليوم في ظل ما يموج بها من استهدافات وعمليات تخريب وإرهاب، خيارها الوحيد هو القانون، وفرضه كأساس لا خيار، وأمامه لا يستثنى أحد، ويعصم منه أحد، حتى لو كان في مرتبة عالم الدين، إذ بحد ذاتها هذه المرتبة لا تخول صاحبها أن يمارس التحريض ضد بلاده بهدف الانقلاب على نظامها.
الدولة واضح أنها وعت الكثير من الدروس، ومن خلال التجربة انتبهت لعديد من المؤشرات التي تكشف حقيقة ما يوجد «تحت الرماد»، بالأخص من قبل تلك الجماعات التي سيظل ديدنها محاربة الدولة بهدف الاستيلاء على مقدارتها، والتي لأجل تحقيق أهدافها تجدونها أحياناً ترخ وتلون لسانها وتتحدث بأسلوب «نناشد» و»نطلب»، بعد أن كانت تصرخ وقت الانقلاب ومن على الدوار «يسقط النظام».